هيومن راتتس ووتش تعلق على تجديد قرارات الحبس الاحتياطي في مصر بتقنية الفيديو
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قالت “هيومن رايتس ووتش” إنّ السلطات المصريّة باتت تستخدم نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديو كونفرنس) على نطاق واسع منذ 2022 في جلسات الاستماع الخاصة بتجديد الحبس الاحتياطي.
وأضافت المنظمة أن مصر صارت تتجنّب دائما إحضار المحتجزين شخصيّا إلى المحاكم.
هذا النظام مسيء بطبعه لأنّه يقوّض حق المحتجز في المثول شخصيا أمام قاض ليُقيّم قانونية وظروف الاحتجاز وسلامة المحتجز، وحتى يتمكّن المحتجز من التحدّث إلى القاضي بشكل مباشر وإلى محامييه على انفراد.
نظام الاتصال عبر الفيديو المعيب هذا يؤدّي إلى تفاقم ممارسات الحبس الاحتياطي التعسفيّة المستمرة منذ وقت طويل، والانتهاكات الصارخة للإجراءات القانونيّة الواجبة، ويساهم فعليا في التغطية على ظروف الاحتجاز التعسفيّة.
يظل المحتجزون، عُرضة الانتهاكات، معزولين ومحرومين بشكل تعسّفي من الزيارات أو المراسلات مع الأسرة والمحامين لفترات تصل إلى شهور أو سنوات.
قال عمرو مجدي، باحث أوّل في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “أحبطت السلطات المصريّة العدالة النزيهة من خلال تقويض شروط مراجعة القاضي لما إذا كان ينبغي ترك شخص في الحبس الاحتياطي”.
وأضاف مجدي: “يتعيّن على السلطات إلغاء نظام تجديد الاحتجاز عن بعد، وإصلاح ممارسات الحبس الاحتياطي التعسفيّة، وضمان الحقوق المتعلّقة بالإجراءات القانونيّة الواجبة”.
في 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، أصدر وزير العدل عمر مروان “القرار قم 8901 لسنة 2021” الذي بات يسمح للقضاة بعقد جلسات النظر في تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد “باستخدام التقنية”، “مع مراعاة كافة الضمانات القانونيّة”.
لم يشرح هذا القرار ما الذي تنطوي عليه هذه الضمانات، وصلة هذا الإجراء بأي أحوال طارئة أو بأي ظرف محدد.
بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإلى تقارير إعلامية، بدأت السلطات في استخدام هذا النظام على نطاق ضيّق في أكتوبر/تشرين الأول 2020 أثناء جائحة “كورونا”.
قابلت هيومن رايتس ووتش ستة محامين حقوقيين مصريين يُمثلون محتجزين أثناء جلسات تجديد الحبس عن بعد.
قالوا إنّ الجلسات التي تمّت عن بعد وحضروها كانت تحت إشراف محاكم الإرهاب (جزء من “محكمة جنايات بدر”) في “مجمع سجون بدر” شرق القاهرة.
قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا أقارب ستّة أشخاص كانوا في الحبس الاحتياطي لمدّة وصلت إلى أشهر أو سنوات، ونقلتهم السلطات في 2022 إلى بدر.
قال الأقارب إنّ سلطات السجن حرمت أفراد عائلاتهم المحتجزين من التمتع بزيارات منتظمة من أسرهم ومحامييهم، لفترات وصلت في بعض الأحيان إلى ثماني سنوات، وكذلك من الاتصالات الكتابيّة والهاتفيّة.
قالت “الجبهة المصريّة لحقوق الإنسان”، وهي منظمة حقوقيّة مستقلّة، في تقرير أصدرته في 2023، إنّ دوائر الإرهاب في محكمة بدر راجعت 25,035 أمرا بتجديد الحبس الاحتياطي في 2022، معظمها يغطي قضايا تتعلّق بالنشاط السياسي. أيّد القضاة جميع أوامر الحبس، باستثناء 1.4% فقط.
قال المحامون والأقارب إنّ الجلسات تتمّ عبر اصطحاب المتهم من قبل ضباط السجون إلى غرفة داخل السجن، بينما يجتمع القضاة والنيابة والمحامون، دون الشخص المحتجز، في قاعة المحكمة، ويتواصل الطرفان عبر تقنية الفيديو.
قال المحامون إنّ الجلسات التي تتمّ عن بعد تُلغي أدنى فرصة لضمان سريّة التواصل مع موكّليهم المحتجزين.
قال المحامون الستّة إنّ القضاة لم يمنحوا في كثير من الأحيان المحامين أو المحتجزين وقتا كافيا للتحدّث، وقطعوا الصوت وأسكتوا المحتجزين عندما حاولوا الشكوى من ظروف الاحتجاز.
قالوا أيضا إنّ القضاة عادة ما يعمدون في القضايا التي تضم عدة محتجزين إلى مراجعة الملف بشكل جماعي، بدلا من النظر في الوضع القانوني لكلّ محتجز على حدة.
يمنع القضاة بشكل روتيني المحامين والمحتجزين من مراجعة التهم المحدّدة أو ملفات النيابة، أو الحصول على نسخة منها، وهي ممارسة طويلة الأمد في قضايا “أمن الدولة”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ انتهاكات سلامة الإجراءات هذه تحرم المحتجزين من الحق في الدفاع الملائم والمراجعة القضائية المحايدة لحبسهم.
قال المحامون أيضا إنّ حضور ضباط السجون مع المحتجزين في جلسات الفيديو قد تجعلهم يشعرون أنّهم ليسوا بمأمن من الانتقام إذا رغبوا في التحدّث عن انتهاكات الاحتجاز.
وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى في السنوات الأخيرة أنّ السلطات دأبت على تقويض الحق في الاستشارة القانونيّة من خلال منع زيارات المحامين.
لكن أثناء جلسات الاستماع التي كانت تتمّ شخصيا في السابق، كان للمحتجزين في زنازين المحكمة أحيانا مدة محدودة – عادة بين 5 و15 دقيقة – للتحدّث على عجل مع المحامين ورؤية أفراد الأسرة، من وراء القضبان.
قال الأقارب والمحامون إنّ هذه اللحظات القصيرة كانت تسمح للأسر بتكوين فكرة عن سلامة أقاربهم في حال منعتهم السلطات من زيارات السجن، لكن هذا لم يعد متاحا بسبب نظام الجلسات عن بعد.
قالت إحدى أقارب أنس البلتاجي، المحتجز تعسفيا منذ أكثر من تسع سنوات دون إدانة جنائيّة، إنّ السلطات منعت الزيارات العائليّة لسبع سنوات قضّاها في الحبس الانفرادي، فكانت جلسات تجديد الحبس التي تتمّ حضوريّا هي الفرصة الوحيدة التي يغادر فيها الزنزانة.
قالت: “منذ أن بدأت هذه الجلسات [عن بعد]، لم أعد أعرف شيئا عنه – أحيانا أتساءل عمّا إذا كان حيّا أو ميّتا”.
قال المحامون إنّ القضاة عمدوا في عدّة جلسات إلى إنهاء الاجتماع بالفيديو بشكل مفاجئ، مما أدّى إلى إنهاء سلسلة الجلسات الخاصة بمركز الاحتجاز (السجن) بأكملها، وجدّدوا احتجاز كل الحالات المتبقيّة دون مراجعة.
قال أحد المحامين الستّة إنّ القضاة طلبوا في عدة جلسات من ضباط السجون إخراج المحتجزين من الغرفة التي يتمّ فيها الاجتماع بتقنية الفيديو لأنّهم كانوا “يتكلّمون كثيرا”، وزعم القضاة أنّه ليس لديهم وقت للاستماع لهم جميعا بسبب العدد الكبير للقضايا.
في إحدى جلسات تجديد الحبس الاحتياطي التي تمّت عن بعد في محكمة بدر في فبراير/شباط 2022، أنهى قاض الاتصال بالفيديو مع المحتجزين في سجني “بدر 1″ و”أبو زعبل” لأنّ العديد من المحتجزين تحدّثوا عن ظروف احتجازهم السيئة لمدة دقيقتين تقريبا، بحسب محام حضر الجلسة.
ذكرت الجبهة المصريّة لحقوق الإنسان إنّ قضاة أنهوا مكالمات عن بعد مع محتجزين في سجن “بدر 3” أيام 27 نوفمبر/تشرين الثاني و21 و28 ديسمبر/كانون الأول2022 بعد أنّ تحدّث المحتجزون عن انتهاكات تعرّضوا لها في الحبس.
في مارس/آذار، قالت “المبادرة المصريّة للحريات الشخصيّة”، وهي منظمة حقوقيّة مصريّة رائدة، إنّ محكمة بدر ألغت جلسات تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد لمحتجزين في سجن بدر 3 لمدّة شهر بذريعة “أسباب تقنيّة”.
تزامن هذا الإلغاء مع تقارير إخباريّة تفيد بإضراب العديد من المحتجزين عن الطعام ومحاولتهم الانتحار بسبب ظروف الاحتجاز وحرمانهم من الزيارات.
وجهّت هيومن رايتس ووتش رسالة تتضمن فيها أسئلة تفصيلية إلى مكتبي وزير العدل والنائب العام في 18 أبريل/نيسان، لكنها لم تتلق ردّا.
قالت “اللجنة المعنيّة بحقوق الإنسان” التي تُشرف على “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة”، ومصر طرف فيه، إنّ الشخص المحتجز لأسباب جنائيّة يجب أن يمثل شخصيا أمام قاض خاصة “إذا كان مثوله يخدم مصلحة التحقيق في قانونية احتجازه أو يتيح فرصة طرح أسئلة بشأن إساءة معاملته”.
بموجب القانون الدولي، يجب أن يتمتّع جميع المحتجزين بحقهم في المساعدة القانونيّة أثناء استجوابهم وخلال أيّ أعمال إجرائيّة أخرى.
منذ 2014، في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، احتجزت السلطات عشرات آلاف الأشخاص، لا سيما في قضايا سياسيّة، في الحبس الاحتياطي التعسّفي المطوّل دون تقديم أدلّة على ارتكابهم مخالفات، وغالبا فقط لممارستهم حقهم في التجمّع السلمي وحرية التعبير.
“قانون الإجراءات الجنائيّة” المصري معيب ولا يحترم المتطلّبات الدوليّة لأنّه يسمح لأعضاء النيابة العامة، وليس القضاة، بإصدار أوامر الحبس لمدد تصل إلى 150 يوما.
يسمح القانون بإبقاء المحتجزين في الحبس الاحتياطي لمدّة تصل إلى عامين، لكن السلطات كثيرا ما تركت أشخاص في الحبس إلى ما أطول من ذلك.
يفرض القانون الدولي والأفريقي لحقوق الإنسان على السلطات استخدام الحبس الاحتياطي كاستثناء وليس قاعدة، وفقط عندما يتأكّد أنّه ضروري لأسباب محدّدة ولأقصر وقت ممكن.
ينبغي تقديم المتهم إلى المحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة، ويجب تمكينه من الحق في المثول أمام قاض للحصول على حكم بشأن شرعيّة وضرورة الاحتجاز.
قال مجدي: “بدلا من إصلاح قوانين وممارسات الحبس الاحتياطي المسيئة التي تساهم في سجن آلاف الأشخاص ظلما، تستخدم السلطات المصريّة نظاما يمنع اتصالهم بمحامييهم وأسرهم، ويُغطّي فعليا الانتهاكات ضدّهم”.