تهديدات التبعية السياسية للمحكمة الجنائية الدولية تعرض مصداقيتها للخطر
أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن صدمته من إصرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية “كريم خان” على تجاهل أي تحرك عملي إزاء ما يجرى في الأراضي الفلسطينية، لا سيما قطاع غزة، معتبرًا أن ذلك قد يرتقي بوضوح إلى ازدواجية معايير ويثير شبهات تبعية سياسية.
وقال الأورومتوسطي إنه في ظل ما تشهده غزة من توثيق غير مسبوق في التاريخ الحديث للحروب لكل مفردات الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي، يختار “خان” الملفات بانتقائية مشينة ويفرض “رؤيته” على حساب العدالة، بربط مهمته بقرار صادر حصرًا عن مجلس الأمن الدولي، وبالتالي لدول معينة تملك القرار.
وذكر الأورومتوسطي أنه في 17 نوفمبر/تشرين ثان الجاري، نفذ “كريم خان” زيارة سرية -أثارها الأورومتوسطي إعلاميًا في حينه-، قام خلالها بتفقد المستوطنات في جنوب إسرائيل، والتنسيق مع السلطات الإسرائيلية بشأن العرقلة المتعمدة للتحقيق الجاري في جرائم الحرب الإسرائيلية المزعومة في غزة.
وبينما حاول المدعى العام للمحكمة الجنائية إبقاء زيارته طي الكتمان لنحو أسبوعين، فإنه وجد نفسه مجبرًا على البوح بها بعد تصاعد الانتقادات لمواقفه المعطلة للعدالة الدولية، بما في ذلك زيارته لإسرائيل والامتناع حتى الآن عن زيارة قطاع غزة.
واعتمد خان الذي تولى منصبه في يونيو/حزيران 2021 نهج اقتصار “الأولوية” للقضايا التي يحيلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (دارفور وليبيا)، وفي المقابل التقليل من شأن قضايا أخرى كانت المحكمة تحقق فيها أصلًا، مثل فلسطين وأفغانستان.
وفي إحاطته الافتتاحية لمجلس الأمن في نوفمبر/تشرين ثان 2021، أكد “خان” التزامه بربط عمله بمجلس الأمن، واشتكى من أن “الموارد الشحيحة لمكتب المدعي العام كانت موزعة بشكل ضئيل للغاية”، مضيفًا أنه “فيما يتعلق بجميع الملفات القديمة المعروضة على المكتب” ستتم مراجعتها فقط.
وكانت تلك إشارة صريحة إلى قضايا لم يُحلها مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية، وتتضمن -الحالتين المنفصلتين- فلسطين وأفغانستان، وكلاهما رفضتهما الولايات المتحدة وردت عليهما عام 2019 بإلغاء تأشيرة المدعي العام السابق “فاتوا بنسودا” إلى الولايات المتحدة، تلاها عام 2020 عقوبات شخصية عليها وعلى مسؤولي المحكمة الآخرين.
وكان مكتب المدعي العام السابقة يحقق في شبهات ارتكاب “جرائم حرب خطيرة” في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2021 بحسب إعلان المحكمة نفسها.
في المقابل لم يصدر “كريم خان” بيانًا استباقيًا يذكر فيه إسرائيل بولاية المحكمة الجنائية بالتحقيق في أفعالها منذ بدء حربها على غزة التي خلفت أكثر من 60 ألف ضحية بين قتيل ومفقود وجريح، و1.7 مليون نازح، وتدمير نحو 60% من القطاع.
وفي تاريخ 30 أكتوبر/ تشرين أول، أي بعد 23 يومًا من بدء حرب إسرائيل على غزة، زار “كريم خان” معبر رفح المصري مع غزة، وصرح أن “منع وصول المساعدات الإنسانية” إلى القطاع يمكن أن يشكل “جريمة”. مع ذلك، فإن المساعدات ما تزال مقيدة ولا تلبي الاحتياجات الإنسانية، فيما يلتزم “خان” الصمت على جرائم أخرى توثقها الأمم المتحدة وعدد كبير من المنظمات الحقوقية الدولية.
مع ذلك،، في 28 فبراير /شباط 2022، بعد أقل من أسبوع من غزو روسيا لأوكرانيا (العضو الدائم في المجلس الذي سيمنع حق النقض أي إحالة لسلوكها إلى المحكمة) أعلن “كريم خان” أنه سيفتح على الفور تحقيقًا في جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا منذ عام 2014، وهو العام الذي ضمت فيه موسكو شبه جزيرة القرم.
بينما يؤكد المرصد الأورومتوسطي ضرورة تحقيق العدالة الشاملة لكل الضحايا حول العالم، فإنه يعيد دعوته “كريم خان” لتحمل مسؤولياته وإنهاء سياسة ازدواجية المعايير في وصول الضحايا إلى المساءلة القانونية إزاء ما يجرى في غزة، على غرار استجابته العاجلة في الأزمات الأخرى بما فيها أوكرانيا، على الرغم أنها ليست دولة عضو في المحكمة.
وشدد الأورومتوسطي على أن أي استمرار لتسييس المحكمة الجنائية يهدد بتآكل مصداقيتها وتقويض أي أفق للعدالة الدولية، بل مشيرًا إلى أنه تتوجب مساءلة المدعي العام عن مسئوليته في تراجع شرعيتها، وإنهاء شبهات التواطؤ في السماح لإسرائيل بالإفلات من العقاب.