الجزائر: ناشط يواجه تهما بسبب دعمه السلمي للمظاهرات

بيروت-  قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ السلطات في الجزائر وجّهت تهما إلى ناشط بسبب دعمه السلمي للحراك الشعبي الجزائري المؤيّد للإصلاحات ولمقاطعته الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأوّل 2019.

والناشط عبد الله بن نعوم، الذي يعيش في مدينة غليزان في شمال غرب الجزائر، هو من بين 45 جزائريا معتقلين حاليا ويواجهون تهما بسبب مشاركتهم في الحراك، الذي عُلّقت تجمّعاته الحاشدة منذ مارس/آذار 2020 بسبب تفشي فيروس “كورونا”.

يقبع بن نعوم في الاحتجاز منذ ديسمبر/كانون الأول 2019. بدأت محاكمته في يوليو/تموز، ثمّ أُرجِئت بسبب صحته المتدهورة، لكنّ القاضي رفض مجددا في 2 سبتمبر/أيلول عريضة للإفراج عنه من الحبس الاحتياطي. قال محاميه إنّه مصاب بمرض في القلب يتطلّب عملية جراحية.

قال إريك غولدستين، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “قد يكون عبد الله بن نعوم أقلّ شهرة من شخصيات الحراك البارزة في العاصمة، لكنّ سجنه يجسّد عزم السلطات على سحق الحراك السلمي للإصلاح الديمقراطي في كامل البلاد”.

يحتوي ملفّ قضية بن نعوم بشكل أساسي على نسخ مطبوعة لمنشورات “فيسبوك” من سبتمبر/أيلول حتى ديسمبر/كانون الأوّل 2019 يندّد فيها بالأشخاص في الحكم ويحثّ على مقاطعة الانتخابات المقرّرة، بحسب  محاميه لعسكر عبد الرحمن لـ هيومن رايتس ووتش.

اعتقلت السلطات بن نعوم في 9 ديسمبر/كانون الأوّل، قبل ثلاثة أيام من الانتخابات الرئاسية التي قال المتظاهرون إنّه يجب تأجيلها بسبب غياب الإصلاحات الديمقراطية. فتّشت الشرطة منزله وصادرت حاسوبه المحمول وهاتفه بعد تفتيشهما.

اتهمته وحدة شرطة غليزان لمكافحة “جرائم المعلوماتية” بـ “التحريض على العصيان ومقاطعة الانتخابات الرئاسية”، بحسب تقرير في ملفّ القضية.

كذلك يشير الملفّ إلى فيديوهات تظهر بن نعوم “أثناء قيامه بنشاطه في إلقاء  خطابات سياسية تحريضية”. كذلك يذكر الملف أنّ منشورات فيسبوك على صفحة بن نعوم شملت شعارات مثل ” لاللاعتداء على إختيار الشعب”، ” لا لانتخابات العسكر”، و” الخيار الدستوري للعسكر يفرض إرادتهم على إرادة الشعب”.

يتضمّن ملفّ القضية أيضا محادثات نصية بين بن نعوم وناشط آخر من غليزان، وهو خالدي علي، المعروف أيضا بـ خالدي ياسين، الذي اعتُقل في اليوم نفسه ويواجه تهما مشابهة في السجن.

بن نعوم متّهم بخمس جرائم، وجميعها مذكورة في قانون العقوبات بمصطلحات فضفاضة لدرجة أنّه يمكن استعمالها لمعاقبة التعبير والنشاطات السلمية: منشورات فيسبوك “تسعى إلى إضعاف الروح المعنوية للجيش” (المادة 75)؛ و”المساس بسلامة وحدة الوطن” (المادة 79)؛ و”الإضرار بالمصلحة الوطنية” (المادة 96)؛ والتحريض على “التجمهر غير المسلّح” الغير المرخّص (المادة 100)؛ و”…  إهانة هيئة نظامية” (المادة 146)؛ و”التقليل من شأن الأحكام القضائية” (المادة 147). تحمل جميع التهم أحكام سجن، ويصل بعضها إلى 10 أعوام.

وجّه وكلاء الجمهورية في الجزائر تهما مشابهة إلى نشطاء آخرين في الحراك. تنتهك التهم التي تجرّم انتقاد المؤسسات الحكومية الحقّ في حرية التعبير.

الحراك هو حركة احتجاج شعبية بدأت بالتظاهر في الشوارع أسبوعيا في مدن الجزائر في فبراير/شباط 2019، لمعارضة عزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الترشح لولاية خامسة لخمسة أعوام. استقال بوتفليقة في أبريل/نيسان، لكنّ المظاهرات استمرّت، وطالب الحراك بعملية استشارية لإصلاح النظام السياسي قبل الانتخابات الرئاسية.

قاومت السلطات مطالب الحراك وأجرت انتخابات في كامل البلاد في 12 ديسمبر/كانون الأوّل، وفاز فيها عبد المجيد تبون الذي كان رئيس وزراء في عهد بوتفليقة، وسجلت نسبة الاقتراع انخفاضا تاريخيا.

أعلن الرئيس تبون في البداية أنّه منفتح على الحوار مع الحراك، ووعد بأنّ الحكومة ستتولّى “ترسيخ الديمقراطية، وحكم القانون، واحترام حقوق الإنسان”.

على الرغم من تردّي صحة بن نعوم، رفض القاضي الذي يتولّى القضية الإفراج عنه، متذرّعا بخطورة التهم بحقّه.

قال لعسكر إنّه، عندما بدأت المحاكمة في 16 يوليو/تموز في محكمة في غليزان، وافق القاضي على طلب بن نعوم لإجراء فحص طبي كانت نتيجته أنّ حالته لا تؤهّله للمثول أمام المحكمة. وافق القاضي على إرجاء المحاكمة ولكن ليس على الإفراج عن بن نعوم في هذا الوقت، وأكّد القاضي مجدّدا قرار الرفض في 2 سبتمبر/أيلول.

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ينبغي أن يكون الحبس الاحتياطي الاستثناء وليس القاعدة. على سلطات الدولة أن تبرز ضرورة الحبس الاحتياطي في كلّ حالة فردية، وتتحمّل العبء المتزايد بإثبات ذلك كلما طالت فترة الحبس الاحتياطي.

نُقل بن نعوم بين سجنَيْ غليزان ووهران منذ اعتقاله، ويقبع حاليا في سجن وهران.

كان بن نعوم حرّا لستّة أشهر فقط قبل اعتقاله في ديسمبر/كانون الأوّل. قبلها كان يقضي حكم السجن لسنتين بناءً على تهم سياسية متعلّقة بالتعبير السلمي عندما أُفرج عنه في يونيو/حزيران 2019، قبل 10 أشهر، بعد أن نفّذ إضرابا عن الطعام. في القضية الأولى، أدانته المحكمة بتهمة “الإساءة إلى رئيس الجمهورية” (المادة 144 من قانون العقوبات) و”استعمال جراح المأساة الوطنية [العنف السياسي في الجزائر في التسعينيات] للمساس بمؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها… أو لتشويه سمعة الجزائر” (المادة 46 من “ميثاق السلم والمصالحة الوطنية” للعام 2006).

قال غولدستين: “تتساوى مدة سجن بن نعوم مع رئاسة تبون تقريبا. كما أنها شاهد فظيع على نقض تعهدات تبون بالإصلاح”.

قد يعجبك ايضا