الجزائر.. الاعتداء على حراك الطلبة امتداد لسياسة التضييق على الحريات في البلاد
أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء حملات التوقيف والاعتقال التعسفي التي تنفّذها قوات الأمن بحق مواطنين وطلبة في الجزائر.
وشدد المرصد أيضاً على ضرورة التزام السلطات بسياسة ضبط النفس في تعاملها مع الاحتجاجات المتجددة في البلاد.
وقال المرصد الحقوقي الدولي في بيانٍ صحفيٍ اليوم، إنّ السلطات الأمنية استدعت يوم الأربعاء الماضي 11 نوفمبر/تشرين الثاني، الطالب الجامعي “قيس ولد عمار” من ولاية “تيبازة”، وعندما وصل إلى جهة الاستدعاء تم التحقيق معه.
وأُحيل بعد ذلك إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة “شرشال” الواقعة في إقليم “اختصاص” غرب “تيبازة”، والذي بدوره أحاله إلى قاضي التحقيق الذي قرر إيداعه في الحبس المؤقت بتهمتي “التحريض على التجمهر” و”المساس بأمن الدولة” لحين محاكمته.
وبيّن الأورومتوسطي أنّه حصل على إفادات تثبت استمرار السلطات التنفيذية في الجزائر لا سيما الأمنية منها، باستخدام القوة والترهيب والاعتقال في التعامل مع التظاهرات التي تجدد انطلاقها في الخامس من أكتوبر الماضي بعد توقف التظاهرات الشعبية التي عمت البلاد بسبب انتشار فيروس كورونا.
وأشار المرصد إلى أن تجدد التظاهرات في الشهر الماضي جاء بالتزامن مع إحياء مسيرات أكتوبر من عام 1988 والتي كان أهم نتائجها إلغاء نظام الحزب الواحد وفتح باب الحريات وتأسيس النقابات والصحف المستقلة عن سيطرة الدولة.
وفي مقابلة أجراها فريق المرصد الأورومتوسطي ناشط حقوقي وشاهد عيان على حادثة توقيف قيس قال: “تلقى قيس ولد عمار استدعاء من شرطة الجريمة الإلكترونية في مساء يوم الأربعاء الموافق 11 نوفمبر/تشرين الثاني”.
وأضاف الناشط: “وفي صباح اليوم التالي ذهب “قيس” لجهة الاستدعاء، وخضع هناك للتحقيق، ومن ثم تم حجزه وتوقيفه ووضع تحت النظر إلى يوم الخميس”.
وأضاف “في يوم الجمعة داهمت السلطات الأمنية منزل قيس وصادرت كل ممتلكاته الشخصية ومنها حاسوبه الشخصي. وفي صباح يوم الأحد 15 نوفمبر/تشرين الثاني، مثُل قيس أمام وكيل الجمهورية، والذي بدوره قرر تأجيل النظر في ملفه إلى يوم الإثنين بحجة عدم اكتمال الضبطية القضائية للملف”.
وأكمل “في يوم الاثنين مثل قيس أمام المحكمة، وتم توكيل محام له، حيث قرر وكيل الجمهورية إحالة ملفه إلى قاضي التحقيق لإصدار قرار فيه.
وفي ساعة مبكرة من فجر يوم الثلاثاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني قرر قاضي التحقيق إيداعه في الحبس المؤقت بتهمتي التحريض على التجمهر والمساس بأمن الدولة لحين محاكمته. حتى هذه اللحظة لم يتواصل مع أحد من ذويه”.
وحاول فريق الأورومتوسطي التواصل مع عدد من الطلاب الذين تعرّضوا للملاحقة أو كانوا شهودًا على الانتهاكات، إلا أنّ غالبيتهم رفض الإدلاء بأي معلومة تتعلق بالحراك أو بالممارسات الأمنية، خوفًا من تعرضهم لخطر الاعتقال والإيداع في السجون.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ الأجهزة الأمنية الجزائرية اعتقلت في أحدث حملة شنتها 42 ناشطًا، تم عرضهم على “وكيل الجمهورية” لدى محكمة “سيدي محمد” بالعاصمة الجزائرية، لينضم هؤلاء المعتقلين لمجموعة الشباب الذين اعتُقلوا تعسفيًا منذ عدة أسابيع؛ وهم “محمد أمين بلمختار”، و”محمد حمالي”، و”العيد العزاوي” و”وليد حمزاوي”.
وفق متابعة الأورومتوسطي، يقبع في السجون الجزائرية منذ بدء الحراك الشعبي في فبراير من العام الماضي، 81 على الأقل من معتقلي الرأي، (11) منهم في العاصمة الجزائر، و(10) في ولاية “أدرار”، و(9) في ولاية “برج بوعريرج”، والبقية متوزعين على باقي الولايات.
وقال الأورومتوسطي إنّ إحدى المحاكم المحلية في العاصمة الجزائرية وتحديدًا في تاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أصدرت أحكامٍ بالسحن غير النافذ بحق تسعة من الناشطين الذين تم توقيفهم في التظاهرات التي أقيمت في العاصمة الجزائرية في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول، بمناسبة ذكرى انتفاضة أكتوبر 1988.
كما أدانت محكمة “سيدي محمد”، وسط العاصمة الجزائرية، ستة من الناشطين بعقوبة السجن غير النافذ لمدة ستة أشهر بعد توقيفهم وإيداعهم في السجن لمدة أسبوعين قبل النطق بالحكم.
وقال المستشار القانوني في المرصد الأورومتوسطي “محمد عماد” إنه “على الحكومة الجزائرية التحلي بسياسة ضبط النفس في تعاملها مع المتظاهرين ومطالبهم المشروعة، باعتبار أن حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي مصونة ومحمية بموجب العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.
وشدد “عماد” على أنّ “التعامل الأمني وسياسة الاعتقال التعسفي والتوقيف أمر خطير وغير مقبول كونها تشكل انتهاكًا غير مبرر لقواعد القانون الدولي، فضلاً عن ضرورة قيام الحكومة الجزائرية بالإفراج الفوري عن كافة معتقلي الرأي، والالتفات لحل المشكلات التي انطلقت من أجلها التظاهرات بدلًا من استخدام القوة في مواجهة المتظاهرين”.
وأكّد الأورومتوسطي أنّ أي سلوك يمس الحقوق الأساسية للمواطنين أمر غير مقبول ويشكل انتهاكًا يوجب المساءلة القانونية، مطالبًا السلطات الجزائرية باحترام قواعد القانون الدولي والجزائري على حد سواء، واللذان كفلا حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي في العديد من النصوص القانونية.
ومنها المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
وشدّد أنّ الدستور الجزائري نصّ في المادة (38) منه على أنّ “الحريّات الأساسيّة وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة. وتكوّن تراثا مشتركًا بين جميع الجزائريّين والجزائريّات، واجبُهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامته، وعدم انتهاك حُرمته”، كما أكّدت المادة (41) على “يعاقب القانون على المخالفات المرتكَبة ضدّ الحقوق والحرّيّات، وعلى كلّ ما يمسّ سلامة الإنسان البدنيّة والمعنويّة”.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات الجزائرية إلى وقف حملات الاعتقال والتوقيف على خلفية حرية ممارسة الرأي والتعبير، والإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي بمن فيهم الطلبة.
ودعا المرصد أيضاً الى العمل بشكلٍ عاجل على تشكيل لجان تحقيق حيادية للوقوف على الانتهاكات والاعتداءات الواقعة على الحقوق الأساسية للجزائريين، سواءً كان ذلك في الساحات العامة أو في مراكز التوقيف، وتقديم المخالفين للمحاكمة نظيرًا لما تم ارتكابه من مخالفات قانونية.
اقرأ أيضاً: الفدرالية الدولية تدعو إلى قوانين صارمة لردع جرائم قتل وتعنيف النساء في الجزائر