التقاعس في إجراءات التصدي لوباء كورونا يعرض حياة الآلاف للخطر في سوريا
قالت منظمة العفو الدولية أمس إنه بعد ثمانية أشهر تقريباً من تفشي وباء كوفيد-19، تقاعست الحكومة السورية عن توفير الحماية الكافية للعاملين الصحيين فيها.
وأكدت العفو الدولية أن الحكومة السورية لا تزال تفتقر إلى اتخاذ إجراءات حازمة للتصدي لانتشار المرض، وترفض تقديم معلومات شفافة ومتسقة حول تفشي وباء كوفيد-19 في البلاد.
وقالت منظمة العفو الدولية أن أقارب مرضى فيروس كوفيد-19، وعاملون في المجال الطبي وعاملون في المجال الإنساني، أخبروا بأن المستشفيات العامة اضطرت إلى إبعاد المرضى بسبب نقص الأسّرة، واسطوانات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي.
ففي حالة من اليأس، اضطر بعض السكان على استئجار اسطوانات الأكسجين، وأجهزة التنفس الصناعي بأسعار باهظة. ولا تزال حياة الآلاف، بمن فيهم العاملون الصحيون، عرضة للخطر دون وجود معلومات أو اختبارات شفافة وفعالة.
وقالت ديانا سمعان، الباحثة المعنية بسوريا في منظمة العفو الدولية: “لقد كان النظام الصحي المتدهور أصلاً في سوريا على شفير الانهيار قبل الوباء”.
وأضافت سمعان: “والآن، فافتقار الحكومة للشفافية حول حجم تفشي فيروس كوفيد-19، وتوزيعها غير الكافي لمعدات الحماية الشخصية، ونقص الفحوصات يزيد من تعريض العاملين الصحيين وعامة السكان للخطر”.
وأضافت سمعان: “وكمسألة ذات أولوية ملحة وعاجلة، يجب على الحكومة السورية ضمان توفير الحماية للعاملين الصحيين الذين يرعون مرضى فيروس كوفيد-19، باستخدام معدات الوقاية الشخصية الكافية، وتلقيهم التدريب على كيفية استخدام هذه المعدات”.
واستطردت سمعان: “وإذا لم يكن لدى الحكومة القدرة على توفير ذلك، فينبغي عليها أن تسعى إلى للحصول على مزيد من الدعم من منظمات الصحة العالمية العاملة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها”.
ويبدو أن هناك نقص ملحوظ في إبلاغ السلطات السورية عن حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19. ففي 22 مارس/آذار، أعلنت الحكومة السورية أول حالة إصابة بفيروس كوفيد-19.
وحتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني، أبلغت وزارة الصحة عن 6352 حالة إصابة بفيروس كوفيد-19، بما في ذلك 325 حالة وفاة.
وفي 29 أغسطس/آب، أبلغ راميش راجاسينجهام، الأمين العام المساعد بالنيابة للشؤون الإنسانية ونائب منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مجلسَ الأمن التابع للأمم المتحدة، أنه يبدو أن “التقارير المتعلقة بامتلاء مرافق الرعاية الصحية، وارتفاع عدد إشعارات الوفاة والدفن، تشير جميعها إلى أن الحالات الفعلية تتجاوز بكثير الأرقام الرسمية”.
وأضاف السيد راجاسينجهام قائلاً إنه لا يمكن تتبع الحالات إلى مصدر معروف، مما يشير أيضاً إلى ضعف أنظمة الفحص والرصد للسيطرة على تفشي المرض.
بين أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول، تحدثت منظمة العفو الدولية إلى 16 طبيباً وعاملاً إنسانياً، وأفراد عائلات مرضى فيروس كوفيد-19، في دمشق ودرعا في سوريا، وخارج البلاد. وجميع الإفادات تشير إلى أن الوضع أسوأ مما كان عليه قبل ثمانية أشهر.
ولا تنشر وزارة الصحة معلومات حول تأثير فيروس كوفيد-19 على العاملين الصحيين؛ والمعلومات الوحيدة المتاحة هي ما تقدمه الوزارة إلى الأمم المتحدة.
فاعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول، كان ما مجموعه 193 من العاملين الصحيين قد ثبتت إصابتهم بفيروس كوفيد-19، ولكن الأدلة تشير إلى أن العدد قد يكون أعلى بكثير بسبب انعدام الفحص.
وقد تم الإبلاغ عن وفاة أحد عشر عاملاً صحياً بسبب وباء فيروس كوفيد-19، لكن نقابة أطباء سوريا أفادت أن ما لا يقل عن 61 عاملاً صحياً قد لقوا حتفهم بسبب المرض اعتباراً من أغسطس/آب 2020.
أضاف تفشي وباء فيروس كوفيد-19 مزيدًا من الضغط على نظام الرعاية الصحية في سوريا، والذي دمره ما يقرب من عقد من الصراع.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 50٪ فقط من المستشفيات في جميع أنحاء سوريا تعمل بشكل كامل، و25٪ تعمل جزئياً بسبب نقص الموظفين أو المعدات أو الأدوية أو الأضرار التي لحقت بمباني المستشفيات، في حين أن 25٪ المتبقية لا تعمل على الإطلاق.
وفي حين تدعي منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الإنسانية الدولية التي تتخذ من دمشق مقرا لها أنها زودت الحكومة السورية بمعدات الحماية الشخصية، قال العاملون في المجال الإنساني لمنظمة العفو الدولية إن السلطات كانت بطيئة للغاية في توزيعها للمعدات لأسباب غير معروفة.
وقال أقارب أشخاص مصابين في دمشق لمنظمة العفو الدولية إنه على الرغم من توفير رعاية طبية أفضل بكثير من المستشفيات العامة، فقد اضطرت المرافق الخاصة إلى إبعاد مرضى فيروس كوفيد-19؛ لأن السلطات تسمح فقط للمستشفيات العامة في دمشق بمعالجة مرضى فيروس كوفيد-19.
أخبر أحد الأطباء منظمة العفو الدولية أنه بعد أن أظهر جده أعراض الإصابة بفيروس كوفيد-19 في منتصف يوليو/تموز، أخذته عائلته إلى مستشفيين حكوميين في دمشق، ولكن لم تكن هناك أي أسّرة متاحة. وتوفي بعد أسبوعين. وقال الطبيب:
“أجرى المستشفى فحوصات فقط وأخبر عائلتي أنه سيحتاج إلى اسطوانة أكسجين. وبمواجهة بعض الصعوبات، تمكنا من استئجار اسطوانة أكسجين، ولكنه توفي بعد ثلاثة أيام.
لقد كانت عائلتي بالكاد قادرة على دفع ثمن اسطوانة الأكسجين لأن الأسعار زادت بشكل كبير حيث يحتاج المزيد والمزيد من الناس إلى اسطوانات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي”.
يعد الفحص أمراً أساسياً في فهم حجم تفشي الوباء، وصياغة سياسة الحكومة. وبالمثل، يعد نشر البيانات أمراً بالغ الأهمية حتى يتم إعلام الجمهور وفهم حجم العدوى، وتأثيرها على المجتمع، والقطاع الصحي.
ومع ذلك، لا تزال مواقع إجراء الفحوص محدودة بشكل كبير في سوريا. ووفقا للأمم المتحدة، هناك خمسة مختبرات لمعالجة فحوصات فيروس كوفيد-19 لـ 15 مليون شخص يعيشون في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
ولا يزال لا يوجد هناك أي مواقع فحص في درعا وشمال شرق سوريا، حيث ارتفعت معدلات الإصابة بشكل ملحوظ في الأشهر الماضية.
ففي درعا، أخبر سكان وطبيب منظمة العفو الدولية أن الفحص لم يكن متاحا منذ يونيو/حزيران، وعندما كان الفحص متاحاً، كانت النتائج تستغرق ما يصل إلى أسبوع، حيث كان يتم إرسال جميع الاختبارات إلى المختبر المركزي للصحة العامة في دمشق لإجراء للتحليل.
وفي الشمال الشرقي، ذكرت الأمم المتحدة أنه يعتقد أن الحالات أعلى من 4,164 بسبب الفجوات الكبيرة في قدرات الكشف والفحص.
وتقوم وزارة الصحة بنشر تقرير يومي عن عدد الحالات المؤكدة والوفيات والتعافي. إلا أن هذه البيانات تستبعد عدد الفحوصات التي يتم إجراؤها يومياً.
وقال أقارب أشخاص مصابين بالفيروس، وعاملون في المجال الإنساني، وأحد الأطباء في دمشق، لمنظمة العفو الدولية إن الفحص متاح فقط للأشخاص المسافرين خارج سوريا.
في أغسطس/آب، ذكرت وزارة الصحة أن الحكومة لم تتمكن من إجراء الفحوصات العامة بسبب “الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلاد الذي طال القطاع الصحي بكل مكوناته”.
وبعد شهر، قالت إنها ستخصص 300 فحصاً يومياً للأشخاص الذين يسافرون خارج سوريا مقابل رسوم قدرها 100 دولار [حوالي 51 ألف ليرة سورية] عندما يكون متوسط الراتب الشهري حوالي 60 ألف ليرة سورية.
وقال اثنان من العاملين في المجال الإنساني لمنظمة العفو الدولية إن ضعف قدرة الحكومة على إجراء الفحوصات يرجع إلى عدم وجود سياسة حكومية متماسكة للتصدي للوباء، ونقص الوعي بأهمية الفحص، والعقبات البيروقراطية بسبب مركزية عملية صنع القرار.
ودعت منظمة العفو الدولية الحكومة السورية إلى زيادة استجابتها الخاصة بالصحة العامة من خلال ضمان الوصول الكافي إلى الرعاية الصحية الجيدة للجميع، وضمان حصول العاملين الصحيين على معدات الحماية اللازمة.
وعلاوة على ذلك، فإن توسيع المعلومات الدقيقة والحديثة حول انتشار الفيروس والكشف عنها أمران مهمان للتصدي لفيروس كوفيد-19 بشكل فعال.
اقرأ أيضاً: سوريا: لا حماية لعمال القطاع الصحي بوجه كورونا