مصر: موجة من الملاحقات القضائيّة ضدّ حريّة التعبير
قالت ثماني منظمات اليوم، منها “هيومن رايتس ووتش”، إنّ السلطات المصريّة اعتقلت في الأسابيع الأخيرة أربعة منتقدين للحكومة على الأقلّ بشكل تعسّفي، وأصدرت ضدهم تهما نابعة فقط من ممارستهم المشروعة لحريّة التعبير، كجزء من عملهم، في اعتداء جديد على حرية التعبير. شملت الملاحقات صحفييْن محتجزيْن وباحث يعيش في المنفى.
استخدمت السلطات الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والحبس التعسفي على ذمة المحاكمة، واتهامات واهية تتعلق بالإرهاب ضدّ المنتقدين. زعمت عائلة أحد المحتجزين أنّه تعرّض للتعذيب. تسبّب القمع القاسي في السنوات الأخيرة في تقويض حريّة التعبير والإعلام المستقلّ، رغم ادعاءات الحكومة بسعيها إلى الإصلاح.
قال بسام خواجا، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لن تستطيع مصر فتح صفحة جديدة دون احترام حريّة التعبير، التي تُشكّل شرطا أساسيا لتعزيز الحقوق السياسيّة والاقتصاديّة الأخرى. يتعين على مصر الكفّ فورا عن استهداف المنتقدين والإفراج عن المحتجزين ظلما”.
اعتقلت السلطات أشرف عمر، رسام الكاريكاتير السياسي، يوم 22 يوليو/تموز 2024. قال موقع “المنصّة” الإخباري المستقلّ، الذي ينشر فيه عمر الرسوم الكاريكاتوريّة، وعائلته، إنّ قوّات من “قطاع الأمن الوطني” التابع لوزارة الداخليّة ألقت القبض عليه خلال مداهمة لمنزله في وقت متأخر من الليل.
قالت ندى مغيث، زوجة عمر، في تصريحات عامّة إنّ فيديو من كاميرات مراقبة أظهر مجموعة من الأشخاص بملابس مدنيّة وآخرين بأزياء الشرطة يصلون في حافلتين صغيرتين، فداهموا المنزل وغادروه بعد 40 دقيقة ومعهم عمر معصوب العينين. ثم اقتادوه إلى مكان غير معلوم حيث احتجزوه لأكثر من 48 ساعة. أعلنت زوجة عمر لاحقا أنّ عناصر الأمن الوطني عذّبوه، بما يشمل تهديده بالصعق الكهربائي.
في 24 يوليو/تموز، جلب مسؤولون أمنيّون عمر إلى “نيابة أمن الدولة العليا” في القاهرة، وهي فرع من النيابة العامة المصريّة معروف بانتهاكاته، ومسؤول عن حبس آلاف النشطاء السلميين والصحفيين احتياطيا لأشهر أو سنوات دون أدلّة على ارتكابهم أي مخالفات. قال محامي عمر والمدافع البارز عن حقوق الإنسان خالد علي إنّ النيابة أمرت بحبس عمر بتهم “الانضمام إلى جماعة إرهابيّة” و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، و”نشر أخبار كاذبة”، وهي تهم تستخدمها النيابة بشكل متكرّر لاعتقال المنتقدين أو الذين يُنظر إليهم على أنهم كذلك.
في 16 يوليو/تموز، داهمت قوات الأمن منزل الصحفي خالد ممدوح في القاهرة واعتقلته في ساعة متأخرة من الليل. قالت “مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير”، وهي منظمة مستقلّة، إنّ عناصر أمن فتشوا شقة ممدوح وصادروا أجهزته الالكترونيّة دون الكشف عم هويتهم أو تقديم مذكرة توقيف قضائية.
قالت فاطمة سراج، محامية ممدوح، إنّ السلطات احتجزته في مكان سرّي خمسة أيام ثم عرضته على النيابة يوم 20 يوليو/تموز، وسجلّت تاريخ اعتقاله الرسمي في نفس اليوم. قالت في مؤتمر صحفي يوم 8 أغسطس/آب إنّ المداهمة كانت “مفزعة”، وأنّ قوات الأمن حاصرت منزله لستّ ساعات، واحتجزت ابنه لفترة وجيزة.
أبقت النيابة ممدوح في الحبس الاحتياطي منذ 20 يوليو/تموز. قالت محاميته إنّ النيابة لم تقدّم أي أدلّة على ارتكابه مخالفات جنائيّة، لكنها وجهت له تهمة الانتماء إلى “جماعة إرهابيّة” لم تٌسمّها، و”نشر أخبار كاذبة”.
قالت سراج إنّ ممدوح محتجز في “سجن أبو زعبل”، حيث تعقد جلسات النيابة لتجديد الحبس بتقنية الفيديو. وثقت هيومن رايتس ووتش أنّ هذه الطريقة المسيئة في تجديد الحبس الاحتياطي – دون إحضار الشخص المحتجز أمام قاض – تقوّض سلامة الإجراءات الواجبة بشدّة، فهي تمنع القاضي من تقييم شرعيّة الاحتجاز وظروفه، وكذلك سلامة المحتجزين، وتنتهك العديد من ضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك الحق في الاستعانة بمحام.
تحدّثت هيومن رايتس ووتش إلى صحفي ثالث، عمل سابقا مع ممدوح لصالح “عربي بوست”، الذي قال إنّه فرّ من البلاد في الأسبوع الأخير من يوليو/تموز خوفا من الاعتقال، بعد اعتقال عمر وممدوح. قال إنّ قوات الأمن كانت تبحث عنه وداهمت منزله بعد فراره. كان هذا الصحفي قد تعرّض للاحتجاز التعسفي في 2018 لأكثر من عامين في قضيّة نابعة من عمله المشروع كصحفي.
في أوائل يوليو/تمّوز، أحالت النيابة الباحث والصحفي عبد الرحمن محمود عبده، المعروف أيضا بـ عبد الرحمن عيّاش، على المحاكمة. جاء في لائحة الاتهام أنه متهم، إلى جانب أربعة آخرين، بـ”قيادة جماعة إرهابيّة”، بينما اتُهم 41 آخرون بالانتماء إلى الجماعة التي لم يُكشَف عن اسمها أو تمويلها.
قال عيّاش، الذي يعيش في المنفى، إنّ محامين حقوقيين حصلوا على ملف القضيّة وأعلموه بذلك، لكنّه لم يحصل على إخطار رسميّ بالتهم. تصف لائحة الاتهام عيّاش بـ”المشرف على” عربي بوست، رغم أنّه قال إنّه ترك عمله هناك في أغسطس/آب 2018. كان عيّاش يعمل كمساعد أبحاث أوّل في هيومن رايتس ووتش بين أغسطس/آب 2018 وسبتمبر/أيلول 2021. بعد مغادرته لـ هيومن رايتس ووتش، التحق عيّاش بـ “مبادرة الحريّة” (FI)، ومقرّها واشنطن، وهو يعمل حاليا كمستشار مستقل لـ “مركز ديمقراطيّة الشرق الأوسط” (MEDC). ساهم عيّاش أيضا في منشورات لعدّة منظمات، منها “مؤسسة كارنغي للسلام الدولي”، و”سنتشري انترناشيونال”، و”مبادرة الإصلاح العربي”.
سبق أن داهمت قوّات الأمن منزل عائلة عيّاش في يوليو/تموز 2022 واعتقلت والده، بعد استجوابه عن نشاط عيّاش الحقوقي والسياسي. أحيل والده على المحاكمة بتهم واهية تتمثل في حيازة مطبوعات ومعلومات تقوّض الدستور، واحتُجز لعدّة أشهر. برّأته محكمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
في 16 يوليو/تموز، أعلنت وزارة الداخليّة أنها اعتقلت رجلا زعمت أنّه متورّط في عرض انتقادات للرئيس السيسي على شاشة إعلانات في الجيزة، انتشرت صورها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي. قالت المنظمات إنّ هذا الانتقاد يندرج في إطار حريّة التعبير المكفولة، ولا ينبغي معاقبته.
في ظلّ حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعرّضت حرية التعبير، بما في ذلك حريّة الإعلام، لهجوم بلا هوادة لسنوات. تحتلّ مصر بانتظام مرتبة ضمن البلدان التي فيها أكبر عدد من الصحفيين المحتجزين، حيث وجدت “اللجنة الدوليّة لحماية الصحفيين” أنّ مصر فيها أكثر من 13% من مجموع الصحفيين المحتجزين حتى 2023.
تخضع وسائل الإعلام التقليديّة إلى قيود شديدة في مصر، وتواجه المواقع القليلة المتبقيّة تقييدا ومضايقات من الحكومة. أساءت السلطات المصريّة في السابق استخدام قوانين الإرهاب، بما في ذلك مقاضاة الصحفيين والنشطاء والمنتقدين.
مصر دولة طرف في صكوك دوليّة تكفل الحق في حريّة التعبير، بما في ذلك “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة” (المادة 19) و”الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب” (المادة 9).
قال سعيد بن عربيّة، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “اللجنة الدوليّة للحقوقيين”: “ينبغي وقف الهجمات على حريّة التعبير في مصر. بدلا من إسكات الأصوات المستقلّة والناقدة والمعارضة عبر الاعتقالات التعسفيّة والملاحقات القضائيّة، يتعيّن على السلطات المصريّة ضمان تمكين جميع الأفراد من المشاركة في النقاش العام، والتعبير عن آرائهم وانتقاداتهم لمؤسسات الدولة ومسؤوليها بشكل علني ودون ترهيب أو انتقام”.