التصعيد الاسرائيلي الأخير يُبرز واقع الفصل العنصري والاضطهاد الذي يعيشه الفلسطينيين

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش أنها بصدد التحقيق في الانتهاكات الجسيمة التبي تسببت فيها الأحداث الأخيرة في غزّة والقدس. وأضافت أن جمع الحقائق سيستغرق منهم بعض الوقت.

وأكدت المنظمة أن هناك بعض الملاحظات الأولية بناءً على ما يعرفه بالفعل، من استيلاء قسري على المنازل، قمع وحشي للمتظاهرين، اعتداء على أماكن عبادة، عنف مجتمعي قائم على الهوية، هجمات صاروخية عشوائية.

بدأ التصعيد إثر الاستيلاء على العديد من منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح بالقدس الشرقية، التي ضمّتها إسرائيل فصارت أراض محتلة بموجب القانون الدولي.

خطّطت إسرائيل لإجلاء السكان الفلسطينيين ونقل منازلهم التي يملكونها منذ زمن طويل إلى مستوطنين يهود.

سمحت المحاكم الإسرائيلية بهذه الخطوة بموجب قانون إسرائيلي يعود إلى 1970 يُسهّل إعادة الممتلكات إلى المالكين اليهود أو ورثتهم، بما في ذلك الجمعيات اليهودية التي تعمل نيابة عنهم، والتي يزعمون أنهم كانوا يملكونها في القدس الشرقية قبل 1948، لمّا صارت تحت حكم السلطات الأردنية حتى 1967.

كانت العائلات الفلسطينية قد هُجّرت قبل ذلك من داخل ما يعرف اليوم بإسرائيل. هذه العائلات ممنوعة بالقانون من استعادة أراضيها ومنازلها، التي صادرتها السلطات الإسرائيلية.

إضافة إلى أراض يملكها فلسطينيون مهجرون آخرون، وصارت تُعرف بـ “أملاك الغائبين” في أعقاب الأحداث التي رافقت قيام دولة إسرائيل بين 1947 و1949. من المتوقع أن يصدر حكم نهائي في الموضوع قريبا.

هذه المعاملة التمييزية، في ظل وجود نتائج قانونية معاكسة تماما في دعاوى تتعلق بحق الملكية لما قبل 1948، وتمّ البت فيها فقط بالاستناد إلى ما إذا كان صاحب الدعوى يهودي أو فلسطيني، تؤكد واقع الفصل العنصري الذي يعيشه الفلسطينيون في القدس الشرقية

جميع الفلسطينيين الذين يعيشون هناك تقريبا يحملون إقامة مشروطة وقابلة للإلغاء، بينما يُعتبر اليهود الإسرائيليون في تلك المنطقة مواطنين بوضع مكفول.

يعيش الفلسطينيون في جيوب مكتظة بالسكان تحصل على جزء بسيط من الموارد التي تُمنح للمستوطنات، ولا يمكنهم فعليا الحصول على تصاريح بناء، بينما تزدهر المستوطنات اليهودية المجاورة ال مبنية على أراض فلسطينية مصادرة.

عمد المسؤولون الإسرائيليون إلى خلق هذا النظام التمييزي الذي أدّى إلى ازدهار اليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين.

نصّت خطّة الحكومة لبلدية القدس، التي تشمل الجزء الغربي والجزء الشرقي المحتل، على هدف “الحفاظ على أغلبية يهودية متينة في المدينة”، بل وحدّدت النسب الديموغرافية التي تأمل في تحقيقها. نيّة الهيمنة هذه تؤكد ارتكاب إسرائيل لجريمتي الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضدّ الإنسانية، كما وثقت “هيومن رايتس ووتش” ذلك في تقريرها مؤخرا.

احتجاجا على عمليات الإخلاء المُخطّط لها في حي الشيخ جرّاح، نظّم الفلسطينيون مظاهرات حول القدس الشرقية، بعضها تضمّن حوادث رشق بالحجارة.

ردّت القوات الإسرائيلية بإطلاق الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، والرصاص المعدني المغلّف بالمطاط، بما في ذلك داخل المسجد الأقصى، ما تسبب في إصابة ألف فلسطيني – 735 منهم أصيبوا بالرصاص المطاطي – بين 7 و10 مايو/أيار، بحسب “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”. أصيب أيضا 32 شرطيا إسرائيليا على الأقل، وفقا لأرقام ذكرها نفس المصدر.

هذه الممارسات تنبع من نمط استمر لعقود من الزمن من استخدام السلطات الإسرائيلية للقوة المفرطة وغير المتناسبة إلى حد كبير من أجل قمع الاحتجاجات وأعمال الشغب من قبل الفلسطينيين، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى إصابات خطيرة وخسائر في الأرواح.

امتدت الاحتجاجات في وقت لاحق إلى الضفة الغربية وداخل إسرائيل.

في سعي لاستغلال الفرصة للظهور في صورة المدافعين عن المسجد الأقصى، أطلقت “حماس” وجماعات فلسطينية مسلحة في غزة صواريخ على تجمعات سكانية إسرائيلية، ما تسبب في مقتل ثلاثة أشخاص حتى 11 مايو/أيار.

هذه الهجمات، وهي عشوائية بطبيعتها وتُعرّض حياة ومنازل وممتلكات عشرات آلاف الإسرائيليين للخطر، تُعتبر جرائم حرب، حسبما وثقت هيومن رايتس ووتش ذلك بشكل واسع على مرّ السنين.

ردّا على ذلك، شنّت القوات الإسرائيلية غارات جوية على قطاع غزة. أفادت وزارة الصحة الفلسطينية يوم 11 مايو/أيار أنّ هذه الضربات قتلت 30 فلسطينيا، منهم عشرة أطفال، رغم ورود تقارير عن مقتل بعضهم في هجمات صاروخية خاطئة شنتها جماعات فلسطينية مسلّحة.

التأكد من مشروعية كل هجوم يتطلب تحقيقات شاملة، غير أنّ استخدام أسلحة متفجرة تُخلّف أثارا واسعة في قطاع غزة المكتظ بالسكان، وحيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في شريط طوله 41 كيلومترا وعرضه يتراوح بين ستة و12 كيلومترا، وأحيانا استهداف مباني سكنية، يُرجّح أنه سيلحق أضرارا بالمدنيين.

في أعمال عدائية مسلحة على امتداد العقد الأخير وما قبله، وثقت هيومن رايتس ووتش استخداما منتظما للقوة المفرطة وغير المتناسبة إلى حد كبير من قبل السلطات الإسرائيلية، وفي بعض الأحيان استهدافا متعمدا للمدنيين والبنى التحتية المدنية.

تتكرّر حلقات التصعيد هذه منذ سنوات، بدرجات متفاوتة. حتى إذا خمدت الأزمة الحالية، فإنّ هذه الدائرة المفرغة ستستمرّ طالما أن الافلات من العقاب عن الانتهاكات الخطيرة هو القاعدة، والمجتمع الدولي متقاعس عن اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق المحاسبة التي يستوجبها وضع بهذه الخطورة.

اقرأ أيضاً: خطاب حقوقي عاجل للاتحاد الأوروبي لوضع حد فوري لهجمات إسرائيل على غزة

قد يعجبك ايضا