تحقيقات تشير إلى خلو موقع مجزرة مدرسة التابعين في غزة من أي مظاهر مسلحة
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن التحقيقات الأولية التي أجراها في مكان الاستهداف الإسرائيلي لمصلى في مدرسة “التابعين” في مدينة غزة، والتي شهدت مجزرة دامية قتل فيها أكثر من 100 فلسطيني، لم تثبت وجود أي دليل أو مؤشر على أي مظاهر مسلحة أو أي تشكيلات مسلحة.
وأشار المرصد إلى أنه— على العكس من ذلك- تبين أنها تحتوي بالكامل على مبانٍ ضيقة، أقسامها مكشوفة على بعض وغير مجهزة، اتخذتها عشرات العائلات الفلسطينية ملجأً لها بعد أن نزحت قسرًا من أماكن سكناها، وبعضها الآن مُسح بالكامل من السجل المدني.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني والقانوني أجرى عملية مسح وتحقيق أولي في مدرسة التابعين التي كانت تؤوي أكثر من 2500 نازح في مدينة غزة، شملت جمع البيانات، وتوثيق شهادات الناجين والشهود، ومعاينة المكان بعد الهجوم.
وأظهرت جميع الأدلة والشهادات أن المدرسة كانت خالية من أي تجمعات أو مراكز عسكرية، وأنها لم تُستخدم لأي أغراض عسكرية. وكانت المدرسة تؤوي المئات من الأطفال الذي أمنت عائلاتهم على وجودهم فيها دون الشعور بالخطر، بحسب إفادات الناجين.
إضافة إلى ذلك، فإن خصائص الموقع تدعم استحالة استخدامه لأغراض عسكرية، فالمدرسة كانت تتكون من مبانٍ ضيقة وغير مجهزة بالبنية التحتية اللازمة للعمليات العسكرية، مثل المخابئ أو نقاط الانطلاق. حيث إن هذا المبنى كان يتكون من مساحات ضيقة وغرف صغيرة لا تتناسب مع النشاطات العسكرية التي تتطلب تنظيمًا ودعمًا لوجستيًّا.
كما أن الشهادات التي تم جمعها من المدنيين النازحين فيها تشير إلى عدم وجود أي نشاطات عسكرية أو تجهيزات في المدرسة، بل على العكس، كانت تُستخدم كمأوى طارئ للمدنيين الذين فروا من المناطق المدمرة.
وهذه العوامل تجعل من غير الممكن أن يكون للموقع أي دور عسكري أو أن يُستخدم لأي أغراض عسكرية، مما يجعل الهجوم على هذه المدرسة غير مبرر ويمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
وقال الأورومتوسطي إن القصف الإسرائيلي استهدف على نحو مباشر نازحين أثناء أدائهم لصلاة الفجر في مصلى المدرسة، وكذلك الجزء العلوي من المصلى المخصص لإيواء النساء والأطفال.
وذكر أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي أطلق خلال هذه الاستهداف ثلاثة قنابل أميركية مجنحة ذات قدرة هائلة على التدمير والحرق وإذابة الأجساد، فقتل أكثر من 100 فلسطيني بينهم العديد من العائلات التي قتلت، بمن فيها من نساء وأطفال، إلى جانب شخصيات أكاديمية بارزة، مثل البروفيسور “يوسف الكحلوت” أستاذ اللغة العربية في جامعات غزة.
وأشار إلى أن القنابل تسببت بتحول أجساد الضحايا إلى أشلاء وأجزاء مقطعة ومحترقة، وكذلك الحال بالنسبة لعدد كبير من الإصابات الحرجة، وذلك نظرًا للقوة التدميرية الهائلة لهذه القنابل. وبحسب الدفاع المدني الفلسطيني في غزة، فإن بعض القنابل المستخدمة ضد المدرسة المكتظة بالنازحين بلغ وزنها حوالي 2000 رطلًا.
ونبه إلى أن ما تبرير الجيش الإسرائيلي المجزرة بالقول إنه استهداف موقعًا عسكريًّا غير مثبت ولا يعد مبررًا لقتل هذا العدد الكبير من المدنيين، مشددًا على أنه لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في قتل وحرق وجرح مئات المدنيين يوميًّا، ثم الادعاء بوجود أهداف عسكرية في الأماكن المستهدفة دون تقديم أدلة حقيقية أو السماح لجهات دولية مستقلة بالتحقق من صحة هذه الأدلة.
وشدد الأورومتوسطي أن إسرائيل في كل مرة ترتكب مجزرة، تسوق لذات الادعاءات باستهداف مواقع أو قيادات عسكرية. ورغم أن هذه الادعاءات ثبت عدم صحتها في العديد من الحالات، فإنه، حتى لو كانت صحيحة، تظل إسرائيل ملزمة دائمًا وبجميع الأحوال بقواعد القانون الدولي الإنساني، وخصوصًا مبادئ التمييز والتناسب والضرورة العسكرية واتخاذ الاحتياطات اللازمة، والالتزام بحماية المدنيين.
ويشمل ذلك اختيار الأسلوب الذي تُنفذ به العمليات العسكرية ونوع الأسلحة المستخدمة، بحيث يؤدي إلى الحد الأدنى من الخسائر والإصابات بين المدنيين.
وأشار إلى أن أي انتهاك لهذه قواعد القانون الدولي الإنساني يعتبر جريمة حرب وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقال إن هذا الهجوم يشكل انتهاكا صارخا لهذه القواعد، ويُعتبر من الهجمات العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضد المدنيين بشكل مباشر وعشوائي، كجزء لا يتجزأ من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وفي إفادة لفريق الأورومتوسطي، قال النازح في المدرسة والناجي من الهجوم “محمد الكحلوت” إنه لم يلحظ أية مظاهر عسكرية أو عسكريين في المدرسة طوال فترة تواجده فيها.
وأضاف: “كنت أتجهز للذهاب للصلاة، لحظات وكان يمكن أن أكون معهم، ثلاثة صواريخ أو قنابل كبيرة أطلقتها الطائرات الإسرائيلية، وتسببت بالمجزرة، شعرت بالخوف الشديد، عندما توجهت للمكان، كانت الجثامين والأشلاء مقطعة ومتفحمة.. أكوام متكدسة من اللحم المحترق.. أنا موجود بالمدرسة منذ عدة أسابيع، لم أشاهد أي مسلحين أو مظاهر مسلحة، دائما أصلي بالمصلى وكل من هناك مدنيون، قتل قريبي وهو بروفيسور “يوسف الكحلوت”، ومثله عدد كبير من المدنيين، وفوق المصلى كان مصلى النساء وهو مخصص لإيواء النساء حاليًا وجميع من كان به قتلن.”
وقالت السيدة “سوزان محمد البراوي”، وهي نازحة في مدرسة “التابعين” لفريق الأورومتوسطي: “كنا نائمين. استيقظنا على صوت الانفجار واشتعال النار، خرجنا من فصولنا لنجد النار تشتعل عند المصلى، مصلى النساء في مدرسة التابعين يقع فوق مصلى الرجال مباشرة، وفيه عائلات كثيرة نزحت بعد استهداف بيوتها. كان هناك ما لا يقل عن 20 عائلة، منهم نساء كبار السن وأطفال. الصواريخ سقطت من بينهم فقتلوا، ومن بقي على قيد الحياة إما قُطعت أطرافه أو أصيب بحروق بليغة، ورأيت إصابات قد خرجت أحشاءهم. من بين الضحايا فتيات صغيرات أكبرهن 13 عامًا وأخرى 10 سنوات، وآخرون بعمر السنتين.”
وفي إفادة أخرى للطفل “محمود نضال البسيوني”، الذي فقد والده في قصف المصلى، قال: “فجر اليوم، كانت العائلة نائمة وأنا مستيقظ بينما ذهب والدي لصلاة الفجر في مصلى المدرسة، رأيت الصاروخ يسقط وعرفت أن هناك مجزرة تقترب وسيقع ضحايا ولم أعرف أن والدي سيصبح واحدًا منهم. رأيت النار التي اشتعلت نتيجة الاستهداف. بكيت كثيرًا على والدي وجدي وعمي وكثير من آباء الأطفال الذين راحوا ضحايا لاستهداف المصلى أثناء صلاة الفجر وبدون أن نستطيع توديعهم لأنهم أصبحوا أشلاء وقطع من اللحم. أنا رأيت العديد من الأشلاء والجثث المقطعة في كل مكان في المصلى. القصف حدث فجأة وبدون تحذير أو إنذار مسبق.”
وفي محاولته لتبرير المجزرة، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا أرفقه بأسماء وصور 19 فلسطينيًّا مدعيا أنهم من قيادات وأعضاء حماس والجهاد الإسلامي وأجهزتهما العسكرية.
وأظهرت عملية مراجعة وتدقيق أجراها فريق الأورومتوسطي، تبين أن جيش الاحتلال اعتمد في قائمته على أسماء متداولة لقتلى فلسطينيين، بغارات إسرائيلية بعضها سابقة، واستخرج صورًا لهم من السجل المدني الذي تسيطر عليه إسرائيل.
واتضح بعد المراجعة الأولية حتى الآن، أن من بين 19 اسمًا نشرها الجيش الإسرائيلي على أنهم “إرهابيون تم القضاء عليهم” في مجزرة مدرسة التابعين، 3 قُتلوا في حوادث قصف إسرائيلي سابقة، وهم “أحمد إيهاب الجعبري” الذي قتله الجيش الإسرائيلي في 5 ديسمبر 2023، و”يوسف الوادية” الذي استهدفه الاحتلال قبل يومين من المجزرة و “منتصر ضاهر” الذي قتل يوم الجمعة برفقة شقيقته داخل شقة سكنية، أي قبل المجزرة بيوم.
كما تبين أن بين الضحايا ثلاثة مدنيين مسنين لا علاقة لهم بالعمل العسكري، هم: مدير مدرسة، “وعبد العزيز مصباح الكفارنة” نائب رئيس بلدية بيت حانون، وأكاديمي بدرجة بروفيسور هو “يوسف كحلوت” أستاذ اللغة العربية، وستة من المدنيين بعضهم معارض حتى لحماس.
ويواصل الأورومتوسطي التحقق من بقية الأسماء، مع تأكيده الجازم أنه وبموجب القانون الدولي الإنساني لا يوجد أي مبرر لاستخدام قوة غير متناسبة وغير ضرورية وقتل عشرات المدنيين من أجل استهداف شخص معين.
وأعاد المرصد الأورومتوسطي التذكير بأن الجيش الإسرائيلي كثف من سياسة قصف المدارس المستخدمة مراكز إيواء للنازحين في مدينة غزة وقتل وإصابة المئات فيها، بالتزامن مع إصدار أوامر إخلاء قسري غير قانونية من شمال غزة إلى جنوبها، ضمن سياسة ممنهجة لطرد السكان من منازلهم وأماكن نزوحهم وحرمانهم من أي استقرار، لأسباب تبدو انتقامية وسياسية بهدف تفريغ مدينة غزة، وقتل أكبر عدد من نخبها، وتحويلها إلى مدينة غير قابلة للحياة، في ظل غياب مبدأ الضرورة العسكرية.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يتعمد تدمير ما تبقى من مراكز الإيواء لحرمان الفلسطينيين مما تبقى من أماكن قليلة تؤويهم بعد التدمير الممنهج للمنازل ومراكز الإيواء، بما فيها المدارس والمنشآت العامة طوال الأشهر العشر الماضية.
وبيّن أن تتبع منهجية القصف الإسرائيلي يشير إلى وجود سياسة واضحة ترمي إلى نزع الأمان عن كل قطاع غزة، وحرمان الفلسطينيين من الإيواء أو الاستقرار ولو لحظيًّا، من خلال استمرار القصف على امتداد القطاع والتركيز على استهداف مراكز الإيواء بما فيها تلك المقامة في مدارس وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن المدنيين في قطاع غزة يدفعون ثمن الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي تنتهك على نحو جسيم قواعد القانون الدولي الإنساني، وبخاصة مبادئ التمييز والتناسبية والضرورة العسكرية.
وجدد الأورومتوسطي مطالبته لجميع الدول بتحمل مسؤولياتها الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وكافة الجرائم الخطيرة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وحماية المدنيين هناك، وضمان امتثال إسرائيل لقواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، وفرض العقوبات الفعالة عليها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، بما يشمل التوقف الفوري عن عمليات بيع وتصدير ونقل الأسلحة إليها، بما في ذلك تراخيص التصدير والمساعدات العسكرية، وضمان مساءلتها ومحاسبتها على جرائمها ضد الفلسطينيين.
بالإضافة إلى مساءلة ومحاسبة الدول المتواطئة والشريكة مع إسرائيل في ارتكاب الجرائم، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول التي تزود إسرائيل بأي من أشكال الدعم أو المساعدة المتصلة بارتكاب هذه الجرائم، بما في ذلك تقديم العون والانخراط في العلاقات التعاقدية في المجالات العسكرية والاستخباراتية والسياسية والقانونية والمالية والإعلامية، وغيرها من المجالات التي تساهم في استمرار هذه الجرائم.
كما يدعو الأورومتوسطي إلى مساءلة ومحاسبة الموظفين والأفراد صانعي القرارات ذات الصلة في هذه الدول، باعتبارهم متواطئين وشركاء في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية، ويتحملون مسؤولية جنائية فردية عنها.
ويدعو الأورومتوسطي جميع الدول على البدء بإجراء التحقيقات الجنائيـة والمحاكمات أمام محاكمها الوطنية، استنادًا للولاية القضائية العالمية، وتنفيذًا لالتزاماتها القانونية الدولية التي تتحملها جميع الدول فيما يخص ضمان مساءلة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ومنع إفلاتهم من العقاب، وإلقاء القبض عليهم ومقاضاتهم وفقًا للقوانين الدولية والوطنية ذات الصلة.