الكويت.. انتحار شاب من “البدون” تذكير مأساوي بضرورة منحهم الحق في عدم التمييز
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الحكومة الكويتية إلى إنهاء الإجراءات التمييزية ضد عديمي الجنسية، المعروفين بـ “البدون”.
وطالب المرصد بالنظر إلى الانعكاسات المعقّدة لتلك الإجراءات على حياتهم، والتي دفعت عددًا منهم إلى إنهاء حياتهم خلال السنوات الماضية.
وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحفي الثلاثاء، إنّه تابع بحزن حادثة انتحار الشاب “حمد عبيد”، وهو من فئة البدون، في 15 فبراير/ شباط الجاري، بعدما ألقى بنفسه من الطابق الرابع هربًا من الفقر والأوضاع المعيشية المعقّدة الناتجة عن وضعه القانوني بصفته عديم الجنسية، بحسب ما نشره مقربون منه عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
وبيّن الأورومتوسطي أنّ الحكومة الكويتية ما تزال ترفض منح الجنسية لأكثر من 100 ألف من “البدون” ممن يعيشون في الكويت منذ عشرات السنوات، وتصنفهم على أنّهم “مقيمون غير شرعيين” بزعم انتقالهم من دول مجاورة إلى الكويت وإخفاء جنسياتهم.
وأكد المرصد الحقوقي بأن ذلك أدّى إلى حرمانهم أو تقييد ممارستهم لمجموعة من حقوقهم المدنية والسياسية والاجتماعية، ولا سيما الحق في العمل، والرعاية الصحية، والتعليم، وتلقي الخدمات الحكومية، وكذلك الحق في المشاركة في التجمعات العامة.
وخلال العام الماضي، وثّق المرصد الأورومتوسطي انتحار ثلاثة أفراد من فئة البدون في الكويت أحدهم طفل- إلى جانب عدد من محاولات الانتحار- بسبب الظروف المعيشية الصعبة الناشئة عن وضعهم القانوني، في حين تستمر السلطات بتجاهل الحاجة الملحة لاتخاذ خطوات حقيقية لمنح هؤلاء حقوق المواطنة، وإنهاء معاناتهم المتسمرة منذ أكثر من نصف قرن.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ السلطات الكويتية أظهرت نوايا واضحة لاستمرار تجاهل حقوق “البدون”، إذ مدّدت -بموجب مرسوم أميري- عمل “الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية” (يُعرف باسم “لجنة البدون”) لمدة سنتين اعتبارًا من 9 نوفمبر/ تشرين أول 2021، وهو الجهاز المسؤول عن تعطيل منحهم وثائق الهوية على مدار أكثر من عقد (أُنشئ عام 2010)، إذ يشترط عليهم الإقرار أنّهم وعائلاتهم ليسوا من الكويت لمنحهم بطاقات هوية لتسيير معاملاتهم الحكومية والخاصة، وسيكون مُثبتًا فيها أنّهم من جنسيات غير كويتية.
وفي حال رفض السلطات الكويتية منحهم الجنسية أو معالجة أوضاعهم القانونية داخل البلاد، لا يُمكن للبدون التوجه للقضاء للطعن في تلك القرارات، حيث أصدرت السلطات الكويتية قانونًا عام 1990 ألغى اختصاص المحاكم في التعامل مع جميع الشؤون المتعلقة بالسيادة الوطنية، بما في ذلك الوثائق الحكومية ومطالبات الجنسية والإقامة وغيرها.
نتيجة لذلك، يستمر البدون في الكويت بمواجهة تمييز في كافة جوانب حياتهم، بدءًا من دخولهم المدرسة وحتى موتهم؛ بسبب عدم حيازتهم على الهوية الشخصية (يحصل عليها المواطنون الكويتيون والأجانب الذين يمتلكون تصاريح إقامة) التي ترفض السلطات الكويتية السماح لغير حامليها بالحصول على خدمات تعليمية وصحية وعمالية موازية لتلك التي يحصل عليها غير البدون.
على سبيل المثال، يُمنع الأطفال البدون من ارتياد المدارس الحكومية، فيما يُسمح لهم حصرًا بدخول مدارس خاصة عادة ما تكون مخصصة للبدون، ويُضطر فيها أولياء الأمور لدفع مبالغ كبيرة بالنسبة لهم، وتُعرف تلك المدارس بكونها “أقل درجة” من المدارس الاعتيادية المخصصة لغير البدون.
أما عند الحاجة لتلقي الرعاية الصحية، فعادةً ما يُمنع البدون من العلاج في المستشفيات الحكومية، ويُطلب منهم التوجه إلى المستشفيات الخاصة، والتي لا يمكن لمعظمهم تحمل تكاليفها الباهظة.
ويُضطر البدون عادةً للعمل بشكل غير قانوني في الكويت في الوقت الذي توفر فيه الحكومة لهم عددًا محدودًا من الوظائف. وفي حال محاولتهم بدء مشاريع صغيرة بأنفسهم كالبقالة أو الحياكة وغيرها، لا يمكن للبدون تسجيل مشاريعهم بشكل قانوني لدى السلطات، مما يُضطرهم للجوء إلى أصدقاء لهم ذوي وضع قانوني في البلاد لتسجيل المشاريع والممتلكات بأسمائهم.
وقال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي “يوسف سالم” إنّه لا مبرر منطقيًا للحكومة الكويتية للاستمرار في ممارسة التهميش والتمييز ضد فئة “البدون”، خاصة أنّ غالبيتهم يعيشون في الكويت منذ تأسيسها، وينحدرون من قبائل عربية سكنت المنطقة منذ مئات السنين.
وأضاف أنّ اشتراط تخليهم عن الجنسية الكويتية مقابل منحهم بطاقات هوية يعدّ تعديًا على حقهم في حرية الاختيار، وإلغاء لجميع الخطوات التي يمكن سلوكها لنيل حقوق المواطنة والخروج من دائرة الحرمان والتهميش التي لطالما عانوا منها بسبب وضعهم القانوني.
ورغم أن الكويت لم توقع على اتفاقية عام 1954 بشأن وضع عديمي الجنسية واتفاقية عام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية، إلا أنها صادقت على صكوك دولية أخرى تحمي حقوق هذه الفئة الهشة، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التمييز في التعليم.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات الكويتية إلى المصادقة على اتفاقية عام 1954 المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية واتفاقية عام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية، تمهيدًا للتعامل بمسؤولية مع أزمة “البدون”.
وحث الأورومتوسطي السلطات الكويتية على توجيه “الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية” لتعديل سياسته غير العادلة، ومراجعة جميع الإجراءات التي تنتهك حقوق عديمي الجنسية، وصولًا إلى طرح معايير واضحة وشفافة وموضوعية لمنح حقوق المواطنة.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي مجلس الأمة الكويتي على مواءمة تشريعات البلاد الداخلية المتعلقة بالجنسية مع ما نص عليه القانون الدولي كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الخاصة بالأشخاص عديمي الجنسية، بما يُسهم في إنهاء جميع ممارسات التهميش والتمييز ضد فئة “البدون”، ويشكل مدخلًا لحصولهم على حقوقهم واندماجهم في المجتمع.