الأردن: حملة تهجير قسري تهدد وجود “البدول” وتراث البتراء الثقافي
اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات الأردنية بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد مجتمع “البدول” البدوي في مدينة البتراء، من خلال حملة تهجير قسري تشمل تعليق الخدمات الحيوية واحتجاز أفراد دون تهم، في مسعى لإجبارهم على مغادرة أراضيهم التاريخية.
وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير جديد إن البدول، الذين عاشوا لقرون في كهوف وخيام جبل سطوح النبي هارون داخل الموقع الأثري، يواجهون ضغوطًا متزايدة ترقى إلى انتهاك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في السكن والحفاظ على ثقافتهم التقليدية.
وسائل قسرية لإجبار السكان على الرحيل
منذ أواخر عام 2024، بدأت السلطات الأردنية تنفيذ حملة ممنهجة لإخلاء ما يقارب 25 عائلة من البدول، عبر وسائل وصفتها هيومن رايتس ووتش بأنها “قسرية وغير قانونية”. وتشمل هذه الوسائل تعليق خدمات المياه، ووقف الرواتب ومدفوعات الضمان الاجتماعي لبعض أفراد المجتمع، واحتجاز السكان دون تهم، وإطلاق سراحهم بشروط تتضمن مغادرة الكهوف.
وأفاد سكان محليون بأن السلطات قطعت المياه عن منازلهم، ما اضطرهم إلى إرسال الأطفال على ظهور الحمير لجلب المياه من جدول ملوث، أو السفر لمسافات تزيد عن ثلاثة كيلومترات للحصول على مياه الشرب من قرى مجاورة. كما تراجعت إمدادات المياه في بعض الأحيان إلى أربع ساعات أسبوعيًا فقط، وهي كمية غير كافية للحياة اليومية أو الزراعة.
وقالت امرأة تبلغ من العمر 82 عامًا إنها لم تعد قادرة على ري أشجار الفاكهة، ما أدى إلى إتلاف المحصول وزيادة الأعباء المعيشية. وأكد آخرون أن نقص المياه تسبب في أمراض متكررة للأطفال.
الاعتقال والتجريم
وجهت “سلطة إقليم البترا التنموي والسياحي” تهماً جنائية لثلاثة رجال على الأقل من البدول في ديسمبر 2024، بزعم استخدام كهوف أثرية كمقرات إقامة دون تصريح، وقيادة أنشطة سياحية غير مرخصة. وعلى الرغم من تسوية القضايا سابقًا، أُعيد فتح الملفات مجددًا، ما يشير إلى تصعيد في الضغط القانوني.
وفي أبريل، اعتقل اثنان من الرجال الثلاثة مجددًا، دون تهم رسمية، واحتُجزا لمدة 21 يومًا. وأُفرج عنهما فقط بعد التوصل إلى اتفاق شفهي مع السلطات يتضمن مغادرة الكهوف مقابل وعود بمساكن بديلة في قرية “أم صيحون”، وضمان عدم المساس بالكهوف كمعالم تراثية.
إضعاف التعليم وسبل العيش
شملت إجراءات الضغط أيضًا تعليق بدل المواصلات للطلاب القادمين من المنطقة إلى المدارس في وادي موسى، ما دفع بعض الأسر إلى التفكير في سحب أبنائها من التعليم بسبب عدم القدرة على تغطية النفقات. وقال أحد الآباء: “إذا استمر هذا الوضع، فسأخرج أطفالي من المدرسة لأننا لا نملك أجرة الطريق.”
من جهة أخرى، عبّر السكان عن رفضهم لخطط نقلهم إلى مجمع سكني ناءٍ يبعد أكثر من 7 كيلومترات عن الأسواق والأقارب، ويُفتقر إلى وسائل النقل العامة، ويُعد غير صالح للزراعة أو تربية المواشي، مما يهدد مصادر رزقهم التقليدية.
تهديد مباشر للتراث الثقافي
أوضحت “هيومن رايتس ووتش” أن تهجير البدول لا يقطعهم فقط عن أراضيهم، بل يمزق أيضًا نسيجهم الثقافي المتجذر في الرعي والزراعة وصناعة الخيام والمعارف البيئية، وهي ممارسات اعترفت بها منظمة اليونسكو كتراث ثقافي غير مادي منذ عام 2008.
وأكدت المنظمة أن السلطات الأردنية، بالتعاون مع اليونسكو والجهات الدولية، مطالَبة بالتراجع الفوري عن إجراءات التهجير، وضمان مشاركة البدول في أي قرار يخص مستقبلهم، مع ضرورة الاعتراف بهم كشعب أصلي وفق إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.
واختتم آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، بالقول: “على الأردن أن يوازن بين الحفاظ على موقع البتراء الأثري وحقوق السكان الأصليين، لا أن يستخدم التراث كذريعة لتجريف مجتمعاتهم.”