منظمة دولية تندد بنظام العدالة الجنائية في البحرين
بيروت- نددت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية ما وصفته “جور” نظام العدالة الجنائية في البحرين عندما يحاول محمد رمضان وحسين علي موسى الإفلات من الإعدام مرة أخيرة.
من المقرر أن يمثل الرجلان أمام “محكمة التمييز”، محكمة الملاذ الأخير في البحرين، وهي الخطوة الأخيرة في رحلة مروعة بدأت عندما اعتقلتهما قوات الأمن منذ ما يزيد عن ست سنوات، في فبراير/شباط 2014، بتهمة الاعتداء على الشرطة لغايات “إرهابية”، ما أدى إلى مقتل أحد رجال الشرطة. وتتوقف نتيجة استئنافهما على أن يأخذ قضاة محكمة التمييز بعين الاعتبار ما توصلت إليه “وحدة التحقيقات الخاصة” في النيابة العامة بأن المحققين ربما عذبوا الرجلين للحصول على الاعترافات التي أدانتهما.
الأمر غير المألوف هنا هو أن هذا سيكون الاستئناف “النهائي” الثاني. فقد حكمت عليهما محكمة جزائية بالإعدام في ديسمبر/كانون الأول 2014، بالرغم من مزاعم تعرضهما للتعذيب. رفض رمضان التوقيع على الاعترافات المنسوبة إليه، لكن موسى فعل، مورطا رمضان. قال لمنظمة حقوقية بريطانية في مكالمة هاتفية فيما بعد: “كانوا يركلونني على أعضائي التناسلية باستمرار… في المكان نفسه حتى فقدت القدرة على الكلام من الألم”.
من جانبه، قال رمضان للمنظمة: “أثناء استجوابي، لم يتوقف التعذيب، والضرب، والشتائم، حتى عندما كنت أجيب على أسئلتهم… وعندما أخبرتهم عن ألم ظهري، جعلوني أستلقي على بطني وضربوني على ظهري…” لم يتمكن الرجلان من مقابلة محاميهما أثناء الاستجواب أو في أي وقت قبل بدء محاكمتهما.
لم يتضمن حكم المحكمة الجزائية بإدانتهما أي أدلة دامغة تربط المتهمين بالجريمة، واعتمد على شهادات عدد من رجال الشرطة، واعترافات موسى، ومتهمين آخرين في القضية. جاء في الحكم أنه يجوز للمحكمة الاعتداد باعتراف يجرم فيه المدعى عليه نفسه أو متهما آخر إذا اقتنعت المحكمة بصحته.
بغض النظر عن حظر التعذيب بموجب القانون الدولي، يبدو أن غض النظر عن كون الاعتراف انتُزع تحت التعذيب قد تجاهَل المادة 19 من دستور البحرين، التي تنص صراحة على بطلان “كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب”، والمادة 253 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أن “كل قول يثبت أنه صدر… تحت وطأة الإكراه أو التهديد به يُهدر ولا يعول عليه”. لكن محكمة التمييز مع ذلك أيّدت حكمَي الإعدام في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
رغم الشكاوى بتعرض موسى ورمضان للتعذيب، الموجهة إلى “الأمانة العامة للتظلمات” في وزارة الداخلية، لم يُفتح فيها أي تحقيق. وادعى مسؤولون بحرينيون زورا فيما بعد أنه لم تُقدَّم أي شكاوى، وردد مسؤولون في وزارة الخارجية البريطانية هذا الادعاء عند سؤالهم بشأن القضية.
لكن بعد ظهور إيصالات رسمية باستلام مكتب التظلمات للشكاوى الأصلية، قال المكتب إنه سيحيل القضية إلى وحدة التحقيقات الخاصة في النيابة العامة، التي تحقق في الادعاءات الجنائية المقدمة ضد أجهزة الأمن أو غيرها من الجهات الرسمية بسبب تعذيب المحتجزين أو إساءة معاملتهم.
في 18 مارس/آذار 2018، أصدرت وحدة التحقيقات الخاصة تقريرا أوصت فيه المحاكم بإعادة النظر في الأحكام الصادرة بحق موسى ورمضان في ضوء تقرير طبي كشف عنه لاحقا طبيب بوزارة الداخلية لم يكن متاحا خلال المحاكمة الأولية يثير الشكوك بتعرض موسى لاعتداء وسوء معاملة، على حد قول التقرير. وخلصت الوحدة إلى وجود اشتباه في جريمة التعذيب بهدف إجبارهما على الاعتراف بارتكاب الجريمة المنسوبة إليهما.
ألغت محكمة التمييز، بناء على الأدلة الجديدة، حكمَي الإعدام في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأمرت محكمة الاستئناف بإعادة النظر في القضية. أكدت محكمة الاستئناف حكمَي الإعدام في يناير/كانون الثاني 2020.
وادعت المحكمة، مستشهدة بالأطباء الذين أجروا الفحص، أن الإصابات التي لحقت بالمتهمين قد حدثت بعد اعترافهم بأسبوع تقريبا، وأعلنت أنها مقتنعة بصحة روايات الشهود التي يؤكدها اعتراف المتهمين المذكورين، متجاهلة ما توصلت إليه الحكومة نفسها وحظر القانونين البحريني والدولي بشأن الأخذ بالاعترافات القسرية.
تقع إذن حياة هذين الرجلين مجددا بيد قضاة محكمة التمييز، ليقرروا ما إذا كانت عناصر القضية، بما فيها الأدلة ذات المصداقية على التعذيب، وأحكام القانونين البحريني والدولي التي تحظر التعذيب والاعتداد بالاعترافات القسرية، لها أي قيمة. عليهم أن يقرروا ما إذا كان محمد رمضان وحسين موسى سيدفعان حياتهما ثمنا للظلم السافر المستمر للنظام القضائي في البحرين فيما يتعلق بالتعذيب والأخذ بالاعترافات القسرية للحكم على الناس بالإعدام.
حكمت محكمة جزائية على الرجلين بالإعدام في 2014 بتهمة قتل شرطي واتهامات أخرى بالإرهاب، رغم إفادة الرجلين بقيام عناصر الأمن بتعذيبهما والاعتداء عليهما جنسيا لدفعهما إلى الاعتراف. رفض رمضان التوقيع على الاعتراف. أما موسى، فقال إنه أخبر المحققين بما يريدون سماعه، فورّط رمضان، لأنه كان يعاني من المحققين الذين ركلوه مرارا بين الفخذين.
أيّدت محكمة التمييز حكمَيْ الإعدام في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. لكن “وحدة التحقيقات الخاصة” التابعة للنيابة العامة، التي أجرت تحت الضغط تحقيقا في مزاعم التعذيب، “وجدت” تقريرا طبيا لطبيب بوزارة الداخلية، لم يُذكر سابقا، يوثق الإصابات في معصمَي موسى. ذكر التقرير أن الإصابات تثير شكوكا حيال تعرضه للاعتداء وسوء المعاملة، مضيفا أن هناك شكا حول جريمة تعذيب تمت بقصد إجبارهما على الاعتراف بارتكاب الجريمة التي اُتهما بها.
بعد أن استندت محكمة التمييز إلى هذا الدليل الجديد وأسقطت حكمَي الإعدام في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أعادت محكمة استئناف في يناير/كانون الثاني 2020 إدانتهما وحكمَي الإعدام. فعليا، أعادت المحكمة كتابة أدلة الحكومة نفسها لتحذف تعذيب موسى، في انتهاك للحقوق الأساسية للرجلين.
تعارض “هيومن رايتس ووتش” عقوبة الإعدام في جميع الظروف بسبب طبيعتها القاسية وكونها لا رجوع عنها.
على حلفاء البحرين، بمن فيهم الولايات المتحدة وبريطانيا، الضغط على البحرين للسماح لخبراء أمميين بالتحقيق بشكل مستقل في مزاعم موسى ورمضان بشأن التعذيب. ينبغي للبحرين الإفراج عن الرجلين، أو إعادة محاكمتهما في إجراء قضائي يستوفي معايير المحاكمة العادلة.