النظام الصحي في سوريا على وشك الانهيار في ظل واقع متدهور وتراجع في الدعم الخارجي
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ النظام الصحي في سوريا يواجه خطر الانهيار الكامل، في ظل واقع متدهور يشمل بنية تحتية طبية مدمّرة، ونقصًا حادًا في الأدوية والمستلزمات، وتراجعًا في أعداد الكوادر الصحية، وإغلاق العديد من المرافق الطبية، ما يُعرّض حياة الملايين من السكان للخطر، لا سيما في المناطق الشمالية من البلاد.
وأوضح المرصد في بيان صحافي أنّ هذا التدهور المتسارع يعود إلى سنوات من النزاع المسلح الذي أنهك القطاع الصحي، وفاقم هشاشته، في ظل غياب دور فعّال لمؤسسات الدولة في توفير الخدمات الأساسية، واعتماد السكان بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية.
وأضاف أنّ هذه الهشاشة البنيوية ترافقت مع تراجع ملموس في التمويل الخارجي الموجّه للخدمات الطبية، ما فاقم الأزمة ودفع بالمرافق الطبية نحو حافة العجز أو الإغلاق الكامل، مشيرًا إلى أنّ قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بوقف برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) شكّل نقطة تحوّل خطيرة في تدهور الوضع الصحي، إذ ساهم في قطع أحد أبرز مصادر الدعم الطبي في البلاد.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ سوريا تعاني منذ بداية النزاع من نقص حاد في المواد الطبية والخدمات الاستشفائية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية توفر جزءًا كبيرًا من هذه الاحتياجات من خلال منظمات غير حكومية تعمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السابق، إذ قدمت بحسب “واشنطن بوست” خلال 14 عامًا أكثر من 18 مليار دولار كمساعدات إنسانية، خُصّص جزء كبير منها للقطاع الصحي، لكن بعد قرار “ترمب” وقف عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تفاقمت المعاناة الإنسانية بشكل عام، ولا سيما على الصعيد الصحي والطبي.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ التمويل الأوروبي، رغم استقراره النسبي، لم يرتقِ إلى مستوى تلبية الاحتياجات المتزايدة للقطاع الصحي، في ظل التدمير واسع النطاق للبنية التحتية الطبية جراء سنوات النزاع، والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وانخفاض أعداد الكوادر الصحية، وإغلاق العديد من المرافق الطبية، ما يُعرض حياة الملايين من السكان للخطر، خاصة في المناطق الشمالية من البلاد.
ونبّه إلى أنّ استمرار عدم الاستقرار في سوريا يهدّد بشدة تقديم الخدمات الصحية الأساسية، في وقت يقدّر فيه عدد من يحتاجون إلى مساعدة صحية عاجلة بنحو 15.8 مليون شخص، في ظل التعطّل الكبير في عمل المرافق الطبية، إذ تعمل فقط 57% من المستشفيات و37% من مراكز الرعاية الصحية الأولية بكامل طاقتها، فيما تعاني معظم المرافق الصحية من نقص في الإمدادات الطبية، ومعدات طبية متهالكة، وبنية تحتية مدمّرة.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ عشرات المشافي والعيادات الطبية في شمالي سوريا أُجبرت على وقف خدماتها أو تقليصها على نحو كبير، فيما باتت العديد من المنظمات الإنسانية والطبية تقدّم خدماتها بالحد الأدنى بسبب انخفاض أو قطع التمويل الخارجي، وهو ما رفع الضغط على القدرة الاستيعابيَّة للجهات التي ما زالت تعمل أو لم تتأثر بشكل كبير بوقف المساعدات الدوليَّة.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّه يجب التعاطي مع الوضع الإنساني في سوريا بوصفه حالة طوارئ صحية مستمرة، تستدعي استجابة عاجلة ومنسّقة من المجتمع الدولي، بما يشمل تعزيز التمويل الموجّه للقطاع الصحي وضمان استدامته.
وأشار إلى أنّ السكان في سوريا يعتمدون بشكل شبه كامل، منذ اندلاع النزاع في عام 2011 وما تبعه من حرب امتدت على مدار 14 عامًا، على المساعدات الإنسانية لتلبية الاحتياجات الأساسية، في ظل غياب فعلي لمؤسسات الدولة عن أداء دورها في تأمين الحد الأدنى من الخدمات العامة، لا سيما الصحية منها، وهو واقع لم يتغير جوهريًا حتى بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر/ كانون أول 2024.
ونبّه إلى أنّ استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، مع ما يرافقه من شلل شبه كامل في مختلف القطاعات الحيوية، بما في ذلك القطاع الصحي، يفاقم من هشاشة النظام الصحي ويقلّص قدرة السكان على الوصول إلى الرعاية الطبية، إذ إنّ آثار الحرب والعقوبات الاقتصادية –حتى في حال رفعها– لن تُترجم إلى تحسن فوري في حياة السوريين اليومية، وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يشعر الأفراد بتحسن فعلي في مستوى الخدمات الصحية وتوفّر الاحتياجات الطبية الأساسية.