الانتهاكات ضد السجناء السياسيين مستمرة في السعودية رغم الإفراجات المتقطعة

منذ نهاية العام الماضي وخلال الأشهر الأولى من عام 2025، أفرجت السلطات في السعودية عن مجموعة كبيرة من السجناء. من بينهم سجناء رأي، بمن فيهم ناشطون بارزون في مجال حقوق الإنسان. ويمثّل ذلك دون شك خطوة إيجابية، خاصة أن كثيرين منهم اعتُقلوا بشكل تعسفي وبتهم يصعب تصديقها أو تفتقر إلى الوضوح.

ومع ذلك، لا تزال هناك قضايا حرجة قائمة، حيث لا تُظهر حملة القمع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية أي مؤشرات على التراجع.

أُفرج عن أول مجموعة من السجناء في ديسمبر 2024. من بينهم الصحفي مالك الأحمد، ورجل الدين محمد الخضيري، والمدوّن داوود العلي، إلى جانب نشطاء آخرين في مجال حقوق الإنسان.

وكان أول اثنين قد اعتُقلا خلال موجة الاعتقالات التي شهدها عام 2017 ضد من عبّروا عن آرائهم المعارضة لسياسات الحكومة. وقد سلطت هذه الحادثة الضوء على القمع الذي يتعرض له الحق في حرية التعبير في السعودية.

منذ يناير، شهدت البلاد حالات إفراج أخرى لأشخاص كانوا رهن الاحتجاز التعسفي. من بين هؤلاء، على سبيل المثال، محمد القحطاني وعيسى النخيفي، اللذان اعتُقلا أيضًا بسبب نشاطهما السلمي.

غير أن الإفراج عنهما جاء مشروطًا، إذ فرضت الحكومة عليهما حظرًا على السفر يمنعهما من مغادرة البلاد. ومن هذا وحده، يمكن فهم أن هذه الإفراجات الجارية في السعودية ليست سوى واجهة، وأن القيود المفروضة على من أُفرج عنهم لا تزال مستمرة.

من المهم أيضًا الإشارة إلى الإفراج عن مجموعة من السجناء من أبناء قبيلة الحويطات. تحتل هذه القبيلة أجزاء من الأراضي التي يُقام عليها مشروع نيوم الذي حظي بترويج واسع، والذي من المقرر أن يشمل بناء مدينة مستقبلية تُعرف باسم “ذا لاين”.

من أجل الاستحواذ على أراضي الحويطات، أصدرت الحكومة أوامر بتهجير قسري، وهو ما واجهه أبناء القبيلة بالرفض السلمي. ورغم ذلك، قُتل بعضهم واعتُقل آخرون. لذلك فإن الإفراج عنهم يُعد خبرًا إيجابيًا، لكنه لا يغيّر من واقع أن الحكومة تواصل تنفيذ مشروعها المستقبلي على أراضٍ كانت ملكًا لقبيلة لم يعد لها مكان تذهب إليه.

ما يثير الشكوك فيما يخص هذه الإفراجات هو الطريقة التي تتم بها. فلم يُعلن عن أي منها على أنها عفو رسمي، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الأحكام قد أُسقطت فعلًا. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يواجه المفرَج عنهم خطر الاعتقال مجددًا، وهو ما يُبقيهم في حالة من عدم الأمان.

إلى جانب ذلك، من المهم التنويه إلى أنه رغم الإفراجات الأخيرة، لا يزال هناك عدد كبير من السجناء السياسيين في السجون السعودية. بعضهم مضى على احتجازهم سنوات طويلة دون محاكمة عادلة أو وضوح في مصيرهم.

من بين هؤلاء محمد العتيبي، الذي يقضي حتى الآن 17 عامًا في السجن بتهمة تأسيس منظمة غير مرخصة قيل إنها تهدف إلى نشر الفوضى. وهناك أيضًا وليد أبو الخير، مؤسس منظمة “مراقبة حقوق الإنسان في السعودية”، الذي اعتُقل في عام 2014 بسبب دعمه للمدافعين عن حقوق الإنسان، وكان أول من حوكم وأدين بموجب قانون مكافحة الإرهاب في البلاد. قضى حتى اليوم 15 عامًا خلف القضبان.

ويشاركهم المصير ذاته سجناء آخرون، من بينهم عبدالعزيز الشبيلي المحكوم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات، فاضل المناسف 14 سنة، إسراء الغمغام 13 سنة، وعبدالرحمن السدحان الذي يقضي حكمًا بالسجن لمدة 20 عامًا، بالإضافة إلى أسماء أخرى لم تنل القدر ذاته من التغطية.

هذه الأرقام تعكس حجم المعاناة التي يعيشها من تم اعتقالهم بسبب آرائهم أو نشاطهم السلمي. الأسماء التي ذُكرت تعود إلى أشخاص مضى على احتجازهم وقت طويل، لكن القائمة تستمر في التوسع، إذ إن أي تعبير عن الرأي يمكن أن يُعتبر تهديدًا وفقًا لمنطق السلطات.

لذلك، وعلى الرغم من أن الإفراجات الأخيرة قد تبدو من الخارج خطوة إيجابية، إلا أنها لا تعني أن البلاد تسير فعليًا نحو تغيير حقيقي. فحرية التعبير لا تزال تُقمع بشكل ممنهج، وأي شخص يقرر التعبير عن رأيه يواجه خطر الاعتقال التعسفي، والسجن لسنوات طويلة بتهم فضفاضة ومشكوك في صحتها.

ولا يزال هناك عدد كبير من السجناء السياسيين الذين يعانون من هذا الواقع، وآخرون معرضون لخطر الاعتقال في أي لحظة فقط لأنهم عبّروا عن رأيهم. ولهذا، فإن من الضروري الاستمرار في كشف ما يجري داخل السعودية، حتى لا تحجب الصورة التي تُروّج لها السلطات حقيقة ما يواجهه الأفراد من قمع وانتهاكات.

قد يعجبك ايضا