خبراء بندوة للأورومتوسطي: الإفلات من العقاب يشجع إسرائيل على تصعيد انتهاكاتها في الأراضي المحتلة
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – استضاف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان خمسة خبراء خلال ندوة نظّمها بهدف تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة
وتطرقت الندوة للغياب الكامل لتطبيق آليات المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وركّز الخبراء حديثهم حول الآثار النفسية للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، واستخدام إسرائيل المنهجي للعنف خلال شهر رمضان المنصرم. واستعرضوا بعض الجوانب القانونية لإمكانية تحقيق العدالة وتطبيق حل الدولتين.
واستهلّت مديرة الاستراتيجيات في المرصد الأورومتوسطي “مها الحسيني” النقاش باستعراض أبرز الانتهاكات الجسيمة التي تخللت سبعة عشر عامًا من الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وركزت الحسيني على الآثار الوخيمة للهجمات العسكرية الأربعة الكبرى على قطاع غزة في المدة بين (2008- 2021)، إلى جانب الهجمات العسكرية المتفرقة الأخرى.
ونقلت الحسيني خلال الندوة تجربتها الشخصية بصفتها مقيمة دائمة في قطاع غزة.
قالت: إنّ حقيقة أن تعيش طوال حياتك في هذا الجزء من العالم، قطاع غزة، وقد شهدت حقبتين مختلفتين- قبل الحصار وخلاله- تمنحك صورة أوضح لما يحدث بالفعل”.
وأضافت أنّ: “ما تفعله إسرائيل يُحوّل ببطء جميع سكان قطاع غزة إلى أشخاص مشوهين فسيولوجيًا وسلوكيًا”.
من جانبه، تطرق مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل” “عمر شاكر” إلى سياسة الفصل العنصري التي تتبعها السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وأكد شاكر أن: “تقييد المساحة المادية أسلوب مهم يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي لزيادة العنف بشكل منهجي ضد السكان الفلسطينيين”.
وأشار إلى أنّ الاعتداءات الوحشية على الفلسطينيين في الأماكن العامة، مثل الاعتداء الأخير على المصلين الأبرياء في المسجد الأقصى، مثّلَ دليلًا على استخدام إسرائيل لأسلوب تقييد المساحة المادية كأداة هيكلية لممارسة القوة والسلطة على الفلسطينيين.
إذ إنّ الحد من قدرة المدنيين على التجمع في الأماكن العامة يُصعّب عليهم استجماع قواهم والوقوف ضد الاحتلال.
وأوضح أنّ الهيمنة الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين أصبحت ممكنة من خلال ارتفاع مستوى الإفلات من العقاب، وعدم وجود عواقب لأعمال إسرائيل العنيفة أو غير القانونية.
وفيما يتعلّق بحل الدولتين، قال “شاكر“: “التركيز على الحلول المرغوبة يعني نسياننا للمشكلة، وهي ليست عدم وجود حل الدولتين”.
وأضاف أنّ “التحول في المفاهيم بعد عقود من العمل يصرف الانتباه عن الواقع اليومي، فحل الدولتين أصبح حلاً ترقيعيًا [لمشكلة] الوضع الراهن غير المتكافئ”.
بدوره، قال أستاذ القانون بجامعة ليفربول “جون موريس” وعضو الفريق القانوني الذي يمثل ضحايا غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية “تريستينو مارينيلو” إنّه ينبغي على المحكمة الجنائية الدولية أن تفعل المزيد لمحاسبة القوات الإسرائيلية على الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وسرد “مارينيلو” الأعمال غير القانونية التي ارتكبها “نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية”.
وذكر استخدام أساليب الاستجواب ضد السجناء الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، وهو ما يرقى إلى مستوى التعذيب بموجب القانون الدولي.
بالإضافة إلى الهدم القسري والتدمير الشامل للممتلكات المدنية دون وجود أي ضرورة عسكرية، فضلًا عن التهجير التعسفي والترحيل القسري للسكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال.
وشدّد على أنّ إقامة جدار الفصل العنصري ونظامين قانونيين منفصلين في الضفة الغربية أحدهما للمستوطنين الإسرائيليين والآخر للفلسطينيين يسمح للسياسات الإسرائيلية غير القانونية بالتوسع.
وأضاف أن “إحجام المدعي العام عن المضي قدمًا في رفع القضايا ضد الجناة المزعومين لهذه الجرائم يساهم في تقويض شرعية ومصداقية المحكمة الجنائية الدولية الضعيفة بالفعل”.
وقال “مارينيلو“: “من الضروري أن يتصرف المدعي العام باستقلالية وحيادية من خلال وضع حد للتاريخ الطويل من الإفلات من العقاب. هذا ليس حقًا أساسيًا للضحايا فحسب، بل واجب المحكمة والمجتمع الدولي”.
وأكّد أنّ السبيل الوحيد للفلسطينيين من ضحايا الجرائم الأكثر خطورة لتحقيق العدالة هو اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، إذ إنّ العدالة غير ممكنة على المستوى المحلي.
ولفت إلى أنّ المحكمة الجنائية الدولية “تمتلك واحدة من الأدوات القليلة الفعّالة للمحاكم، ولديها أخطر حالات انتهاك حقوق الإنسان، ومع ذلك تتقبل مناخ الإفلات من العقاب الذي يتمتع به المرتكبون المزعومون لهذه الجرائم”.
من جانبه، قدّم زميل سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “هيو لوفات” نظرة عامة على الاتجاه الذي يسير فيه الاحتلال الإسرائيلي، واستعرض أوجه انهيار حل الدولتين بالنسبة للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وأشار “لوفات” إلى انخفاض في نسبة الأقلية الإسرائيلية التي كانت تدعو في وقتٍ ما لإنهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين بما يتماشى مع المعايير الدولية.
وأكّد على ضرورة وجود مبادرات ونماذج جديدة لتحقيق العدالة على أساس المساواة وإنهاء الاحتلال.
ورأى أنّ تطبيق العدالة يحتاج إلى تطبيق نموذج جديد يتضمن استراتيجية جديدة للمضي قدمًا في إنهاء الاحتلال، إلى جانب إطلاق مشروع سياسي جديد لتحقيق المساواة.
وقال إنّه “مع تناقص الأمل في تطبيق حل الدولتين، هناك هيمنة متزايدة لليمين المتطرف في إسرائيل، إذ يبدون سعداء للغاية بالمضي قدمًا ليس فقط بضم الأراضي الفلسطينية ولكن أيضًا بترسيخ حالة الفصل العنصري القائمة”.
من جهته، أكّد الكاتب والمحرر في مجلة +972 “أمجد عراقي” أنّ الهجمات العنيفة مثل الهجوم الأخير على المسجد الأقصى في شهر رمضان الماضي “نتاج لقرارات سياسية وعسكرية”.
وأشار إلى أنّ “هذه القرارات اتخذتها سلطات إنفاذ القانون والمسؤولون الحكوميون الذين يدعمون المستوطنين من أجل معرفة حدود الانتهاكات المتوقعة في مكانٍ مقدسٍ مثل المسجد الأقصى”.
وناقش معظم الخبراء في الندوة قضية الإفلات الإسرائيلي من العقاب، بمن فيهم “عراقي”، الذي قال إنّه بالنسبة للفلسطينيين الذين عانوا من زيادة عنف المستوطنين، فمن الواضح أنّ “الإفلات من العقاب قد ازداد بالفعل واستوعبه النظام السياسي الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي”.
وأضاف أنّ “عمق اعتقاد المجتمع الإسرائيلي والسياسيين الإسرائيليين بأنهم يستطيعون تجاوز كل الخطوط السياسية دون عواقب يسمح لهم بأن يكونوا أكثر عنفًا ويغيروا الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس”.
وشدد على أن جانبًا كبيرًا من أسباب تصاعد العنف في الآونة الأخيرة يعود إلى مدى محاولة الأطراف الدولية الفاعلة تجاهل القضية الفلسطينية ومحوها.
واختتم بأنه من الخطأ أن “يستمر هؤلاء الأطراف في الاعتقاد بأن الفلسطينيين سوف ينسون بطريقة ما اضطهادهم وتاريخهم مع الاحتلال”.