الدراما التليفزيونية المصرية تصل إلى مستويات جديدة من نشر الدعاية لصالح السيسي
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – يتم عرض الموسم الجديد من المسلسل التليفزيوني “الاختيار” في مصر هذا الشهر، بعد موسمين سابقين كررا روايات الحكومة عن الإخوان المسلمين ومجزرة ميدان رابعة العدوية.
مرة أخرى، استخدم نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي صناعة الترفيه في مصر لبث دعاية صريحة خلال شهر رمضان وصرف الانتباه عن واقع البلاد المفلس.
يلجأ نظام السيسي إلى هذه الدراما التلفزيونية التي تخضع للموافقة الحكومية، والتي أطلقتها شركات الإنتاج التي اختارتها أجهزة المخابرات المصرية، كلما احتاج إلى إنجاز وهمي لتشتيت الانتباه عن الأزمة التي تمر بها مصر—وكلما أراد خلق المزيد من الأساطير حول السيسي وتدمير الحياة الثقافية في مصر، واستبدالها بالمؤامرات والقومية المفرطة والجنون.
يدّعي مسلسل “الاختيار 3” أنه يذهب “وراء كواليس أخطر 96 ساعة في مصر”—مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 ضد الرئيس محمد مرسي والتي أدت إلى انقلاب السيسي في 3 يوليو/تموز.
يصوّر المسلسل السيسي، الذي كان آنذاك وزير دفاع مرسي، بأنه “ينقذ” مصر من “طريق الإخوان المسلمين المظلم”، كما تذكر إحدى الدعايات الإعلانية.
أثار الإنتاج السياسي الصارخ للمسلسل انتقادات واسعة النطاق على الإنترنت للمخرج “بيتر ميمي” وللانتاج الباهظ وللممثلين البارزين، وتحديدًا الممثل “ياسر جلال”، الذي يلعب دور السيسي—وهي المرة الأولى التي يتم فيها تصوير شخصية السيسي على شاشة التلفزيون.
وبحسب ما هو مذكور، تم إنتاج المسلسل من قبل شركة سينرجي، وهي شركة إعلامية لها علاقات وثيقة بجهاز المخابرات المصري.
لم تتسامح السلطات مع أي انتقاد للمسلسل، حتى أنه تم القبض على المحامي “نبيل أبو شيخة”، بسبب منشور ساخر على الفيسبوك حول دور جلال في “الاختيار”.
ووجهت إليه تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، في محاولة على ما يبدو من جانب النيابة العامة لتخويف المصريين الآخرين من السخرية أو انتقاد المسلسل علانية.
لكن بدلًا من إثارة الخوف، غذّى رد فعل السلطات حملة ساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أدى ذلك إلى سخرية أكبر من المسلسل.
يقوم مسلسل “الاختيار” بتمجيد السيسي باعتباره البطل الأول والشجاع والتقي، كما يمنحه سمات جسدية غير موجودة سخر منها الكثير من المصريين: “جلال”، الذي اشتهر بطول القامة، يلعب دور رئيس مصري معروف بقصره.
يُظهر المسلسل أيضًا السيسي، عندما كان وزيرًا للدفاع، أنه في حالة من التحدي المستمر لمرسي، الرئيس المنتخب ديمقراطيًا الذي سيعزله—في تناقض واضح مع الإذعان العلني الذي أظهره السيسي، في الواقع، لمرسي في ذلك الوقت، والتي قال المطلعون أنه كان كذلك في اجتماعاتهم الخاصة.
هذا ليس مفاجئًا، نظرًا لمحاولات المسلسل تصوير جماعة الإخوان المسلمين بأنها الخائنة التي يجب على السيسي “حماية” مصر منها، مع تصوير مرسي وقادة الإخوان الآخرين مثل “محمد بديع” و”خيرت الشاطر” على أنهم جواسيس وخونة.
يتم بث مسلسل “الاختيار” بعد أكثر من عقد من الزمان من انقلاب السيسي. في ذلك الوقت، غرقت البلاد في الديون—وهي الأعلى على الإطلاق في مصر—وانهارت الطبقة الوسطى.
على غرار الموسمين الأولين من مسلسل “الاختيار”، ينتقل هذا الموسم إلى حيز غامض آخر بين الدراما والأفلام الوثائقية، وغالبًا ما يخلط لقطات إخبارية أرشيفية وحتى مقاطع فيديو حكومية مسربة عن قادة جماعة الإخوان المسلمين سجلتها أجهزة الدولة في ذلك الوقت—وهذه علامة أخرى على التورط الواضح لأجهزة المخابرات في إنتاج المسلسل.
تتداخل الروايات الخيالية للسيسي مع لقطات وثائقية حقيقية، ما يطمس الخطوط الفاصلة بين الواقع والدعاية. المخرج بيتر ميمي لا يخفي أجندته المؤيدة للحكومة.
وكما قال عن الموسم الثاني من مسلسل “الاختيار” الذي روج لأكاذيب الحكومة حول مذبحة رابعة: “المسلسل مشروع وطني وقومي لتوعية الأجيال القادمة.”
منذ بداية عهد السيسي، تغيرت وظيفة الدراما والمسلسلات التليفزيونية المصرية، حيث أصبحت أبواقًا واضحة للحكومة.
تركز مثل هذه المسلسلات، التي يتصدرها مسلسل “الاختيار”، على أحداث تمت في الفترة الأخيرة في محاولة لإعادة كتابة ذلك التاريخ، لا سيما كيف وصل السيسي إلى السلطة وما حدث للإخوان المسلمين.
يبدو أن رواية المنتصر للوضع الراهن الجديد الذي نشأ في أعقاب انقلاب السيسي أصبحت هي السائدة.
لكن على الرغم من الميزانية الضخمة لتمجيد شخص واحد وهو السيسي، يجب على العديد من المصريين الذين شاهدوا “الاختيار 3” أن يعلموا أن المسلسل كذبة كبيرة وفضيحة—لأنهم عاشوا هذا التاريخ بأنفسهم وشهدوا أحداثًا مثل احتجاجات 30 يونيو/حزيران على أرض الواقع.