توثيق حقوقي: إسرائيل لا تزال تعرقل إدخال وتوزيع الإمدادات إلى غزة
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن إسرائيل تواصل عرقلة إدخال الإمدادات الإنسانية الأساسية إلى قطاع غزة، وتستهدف عمليات توزيعها، وتمنع وصولها إلى محافظتي غزة والشمال، بماينذر بتفاقم وتعميق حالة المجاعة المنتشرة في هاتين المحافظتين على وجه الخصوص، اللتين يتواجد فيهما ما لا يقل عن 300 ألف نسمة وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وأكد الأورومتوسطي في بيان له، أن محدودية وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء غزة، وخاصة في مناطق شمال القطاع، ومنع التسليم العاجل للسلع الغذائية المنقذة للحياة، يفاقم على نحو سريع وخطير المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي التي يواجهها السكان الفلسطينيين هناك، والذين يواجهون خطر الموت من الجوع بالفعل، لا سيما ما يتعلق بزيادة عدد الأطفال الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية الحاد والأمراض المقترنة بهما، حيث وصل عدد الأطفال الذين ماتوا بسبب الجوع وسوء التغذية إلى 28 طفلا.
وذكر المرصد أن السلطات الإسرائيلية لا تزال تعرقل دخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر البرية المؤدية إلى قطاع غزة على نحو سريع وفعال ومنتظم، وتفرض قيودًا أخرى بعد دخولها فيما يخص عمليات التوزيع والتسليم، وتعرقل دخولها على نحو شبه منتظم إلى مناطق شمال القطاع.
وحذر من أن الهجوم العسكري الإسرائيلي الحالي على مخيم النصيرات للاجئين، والهجوم المحتمل على رفح من شأنه أن يزيد الأمور صعوبة وهو أمر مؤشراته بدأت منذ يومين بزيادة هائلة على الأسعار المرتفعة أساسًا للسلع القليلة المتوفرة.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن إسرائيل تواصل بذلك انتهاك التزاماتها الدولية، بما في ذلك التزاماتها كسلطة قائمة بالاحتلال، وكذلك انتهاك قرارات محكمة العدل الدولية، وبخاصة التدابير الجديدة التي أصدرتها في 28 مارس/آذار الماضي، والتي ألزمتها فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة والفعّالة، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، لضمان دخول المساعدات إلى قطاع غزة من دون معوقات وبلا تأخير، وذلك تنفيذا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
كما لفت إلى أن إسرائيل تنتهك أيضا قـرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728 الذي صدر في 25 آذار/مارس الماضي، ونص على الحاجة الملحة لتوسيع نطاق تدفق المساعدة الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة بأكمله وتعزيز حمايتهم، وطالب برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع.
وشدد المرصد، على أنه ورغم كل هذه القرارات الدولية الملّزمة والمنبثقة عن القانون الدولي والالتزامات القانونية القائمة أصلا على إسرائيل، إلا أن إسرائيل لا تزال مستمرة بارتكاب جريمتها في تجويع السكان المدنيين في قطاع غزة، ولم تعمل على تغيير أي من سياساتها غير القانونية وإجراءاتها التعسفية لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة وضمان وصولها على نحو آمن وسريع، وبخاصة إلى مناطق الشمال.
إذ منذ بداية نيسان/أبريل الجاري، تم عبور ما معدله 169 شاحنة مساعدات إلى غزة يوميا عبر معبر (كرم أبو سالم/كيرم شالوم) ومعبر رفح البري. ولا يزال هذا أقل بكثير من القدرة التشغيلية لكلا المعبرين الحدوديين ومعدل 500 شاحنة الذي كان يدخل القطاع يوما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وأبرز الأورومتوسطي أنه إذا استمرَّ دخول المساعدات الإنسانية بهذه الوتيرة، فإن ذلك ينذر بكارثة حقيقية وانزلاق آخر لمستوى الجوع المتفشي بالفعل والذي بسببه فقد السكان آلاف الأرطال من أوزانهم، ونتيجته باتوا يعرضون أنفسهم لخطر الموت قرب الحواجز الإسرائيلية بانتظار شاحنات المساعدات والتي تحولت إلى نقاط للموت.
وقال الأورومتوسطي: إن إسرائيل تتحدث منذ أسابيع عبر الإعلام عن إحداث تغييرات على مستويات إدخال المساعدات لقطاع غزة، بما في ذلك الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وما أبلغته لمنسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، لكن دون أن يجد ذلك أي تنفيذ حقيقي.
إذ لم يطرأ أي تغيير حقيقي على زيادة أعداد الشاحنات التي سمح بدخولها إلى القطاع، وبخاصة إلى مدينة غزة والشمال، كما لم يتم حتى الآن تشغيل حاجز (إيريز/بيت حانون) شمال غزة، أو استخدام ميناء اسدود لإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بعكس ما تم تداوله في وسائل الاعلام الإسرائيلية.
وقال الأورومتوسطي إنه لا يزال هنالك وزراء في الحكومة الإسرائيلية يعلنون صراحة ضرورة استخدام التجويع والمساعدات كأداة ضغط وابتزاز وسلاح في الهجمات العسكرية المستمرة للشهر السابع على التوالي، والتي بدأت بإعلان إسرائيلي رسمي بقطع الطعام والماء عن سكان القطاع.
وشدد الأورومتوسطي على أن الحديث عن الزيادة في عدد الشاحنات التي تدخل قطاع غزة بين فترة وأخرى هو أمر غير كافي بحد ذاته، وبخاصة إذا ما قورن ما يدخل أو ما يتم الوعد بإدخاله بالاحتياجات الفعلية الواسعة والمتراكمة لسكان القطاع.
وأكد أنه يجب أن تتوقف إسرائيل عن جريمة تجويع سكان قطاع غزة، وأن يجري إدخال المساعدات الإنسانية بشكل دائم ومنتظم وبالحجم الذي يلبي هذه الاحتياجات بعيدا عن الحسابات والشروط الإسرائيلية، إلى جانب ضرورة العمل على تأمين عمل الطواقم الإنسانية العاملة في توزيع هذه المساعدات، وسلامة المدنيين حين استلامها، وضمان تدفقها على نحو عاجل إلى شمالي القطاع.
وهذا ما أكد عليه منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة “جيمي ماكغولدريك”، حيث صرح في 12 نيسان/أبريل الجاري: بأن وضع سكان غزة لا يزال صعبا للغاية مع عدم وجود تحسن حقيقي في عمليات إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة أو دعم الرعاية الصحية الحيوية في الأسابيع الأخيرة على الرغم من الالتزامات الأخيرة التي أعلنتها إسرائيل لتعزيز عمليات الإغاثة.
كما صرح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ينس ليركه، في التاسع من نيسان/ أبريل، بأن عمليات توصيل المواد الغذائية التي تنسقها الأمم المتحدة هي أكثر عرضة للعرقلة أو منع الوصول من أي مهمة إنسانية أخرى، وأن القوافل الغذائية المتوقع توجهها إلى شمال غزة، من المرجح أن يتم رفضها ثلاث مرات أكثر من القوافل الإنسانية الأخرى.
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن الوصول إلى غزة يتسم “بإجراءات التفتيش الطويلة ونقص الوقود الناجم عن القيود الإسرائيلية والعقبات المفروضة أمام حركة الشاحنات والقوافل والسائقين الذين اجتازوا الفحص الأمني… والازدحام على معبر كرم أبو سالم”، في حين لا تزال إسرائيل تقيد بشدة إدخال المساعدات الإنسانية والسلع التجارية مباشرةً إلى شمال غزة، حيث يُتوقع أن 70 في المائة من السكان سيتعرضون لخطر المجاعة بين منتصف آذار/مارس ومنتصف تموز/يوليو 2024.
ونبه التقرير إلى أنه في مدينة غزة وشمالها، لم يجرِ تيسير سوى 26 في المائة من البعثات التي كانت مقررة لإيصال المواد الغذائية إلى المناطق الشديدة الخطورة التي تستدعي التنسيق مع السلطات الإسرائيلية، وجرى رفض 51 في المائة من هذه البعثات أو عرقلتها وتأجيل 23 في المائة منها أو سحبها بسبب المخاوف الأمنية أو العقبات العملياتية.
وبالنسبة للتنقل بين جنوب قطاع غزة وشماله، منعت السلطات الإسرائيلية أكثر من نصف البعثات التي كانت مقررّة لإرسال المعونات في شهر آذار/مارسالماضي، ولم يكن في وسع الجهات الفاعلة الإنسانية إلا أن تسلك مسارًا واحدًا، ويُستخدم طريق السياج الذي يقع على الحدود الشرقية لغزة على نطاق محدود.
وفي الإجمال، يؤكد التقرير الأممي أن تقييد قدرة المنظمات الإنسانية على معالجة الاحتياجات الإنسانية في غزة “أفرز بيئة عملياتية متقلبة وغير مأمونة وغير مواتية”، وسط عمليات القصف الجوي المكثف والعمليات العسكرية البرية والتلوث بالذخائر غير المنفجرة والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وانعدام الأمن على نطاق واسع.
وتفرض إسرائيل ثلاثة طرق فقط أمام قوافل الإغاثة الإنسانية إلى مناطق شمال قطاع غزة، هي الطريق الأوسط عبر طريق “صلاح الدين”، وطريق “الرشيد” الساحلي، والطريق العسكري على الجانب الشرقي من غزة، لكن لم يسجل أن يكون لدى الأمم المتحدة ثلاثة أو حتى اثنين من هذه الطرق تعمل في نفس الوقت، مع الإشارة إلى أن جميع الطرق أصلا “في حالة سيئة للغاية” وتفتقد لأي ضمانات أمنية.
أما عن استمرار الجيش الإسرائيلي باستهداف قوافل المساعدات الإنسانية،قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في 10 نيسان/أبريل إن إحدى قوافلها الإنسانية تعرضت لإطلاق الذخيرة الحية عند نقطة تفتيش على طريق “صلاح الدين الرئيسي” (تابعة للجيش الإسرائيلي) أثناء توصيل المساعدات المنقذة للحياة إلى شمال غزة، بما في ذلك الأغذية العلاجية للأطفال المعرضين للخطر، محذرة من مخاطر التأخير والقيود على الوصول وإطلاق النار التي يواجهها مقدمو المساعدات في غزة وانعكاس ذلك على تصاعد معدلات سوء التغذية والوفيات التي يمكن الوقاية منها.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن ما كشفته منظمة أوكسفام الدولية بأن سكان مناطق شمال غزة أجبروا على البقاء على قيد الحياة بمعدل 245 سعرة حرارية في اليوم منذ كانون ثاني/يناير الماضي، وأن أكثر من 300,000 شخص لا يزالون محاصرين هناك، وغير قادرين على المغادرة ويعيشون على أقل من 12 بالمئة من متوسط احتياجات السعرات الحرارية اليومية.
وقد تسبب سوء التغذية والجفاف بوفاة 30 فلسطينيا غالبيتهم من الأطفال داخل المستشفيات، في حين أن المعطيات المتوفرة لدى الأورومتوسطي تشير إلى أن عدد ضحايا الجوع أكبر من ذلك بكثير مع غياب وجود آليات واضحة ترصد حالات الوفاة لهذا السبب مع انهيار المنظومة الصحية شمال قطاع غزة، حيث يسقط ضحايا يوميا بما في ذلك جراء القصف الإسرائيلي ويجري دفنهم من ذويهم دون تسجيلهم رسميا.
وإزاء ذلك، جدد المرصد الأورومتوسطي دعوته إلى المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بالتزاماته القانونية الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، وتفعيل أدوات الضغط الحقيقية لإجبار إسرائيل على التوقف عن ارتكاب كافة جرائمها فورا، والضغط عليها للامتثال لقواعد القانون الدولي ولقرارات محكمة العدل الدولية لحماية المدنيين الفلسطينيين من خطر الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بما في ذلك وقف كافة أشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، ومحاسبتها ومساءلتها عن جميع جرائمها.
كما دعا المرصد الأورومتوسطي إلى تشكيل ضغط دولي فوري على إسرائيل من أجل وقف تنفيذها لجريمة تجويع السكان قطاع غزة، ورفع الحصار بشكل كامل عن القطاع، ووضع الآليات المناسبة لضمان وصول الإمدادات الإنسانية بشكل آمن وفعال وسريع، واتخاذ التدابير الجدية للتصدي للمجاعة الآخذة بالانتشار السريع في صفوف المدنيين الفلسطينيين في القطاع.