الإمارات ترسخ مكانتها كدولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وسط مخاوف حقوقية
رسّخت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانتها كدولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث دمجت التقنيات المتقدمة في مختلف القطاعات لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز إدارة شؤون الحكومة.
ويُعد نشر أنظمة المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز الأمن الوطني والسلامة العامة، محور هذه الاستراتيجية. إلا أن الاستخدام المكثف لهذه التقنيات يثير مخاوف كبيرة بشأن حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بالخصوصية وحرية التعبير، واحتمال تجاوز الحكومة لصلاحياتها.
وبحسب منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، تعد الإمارات العربية المتحدة من الدول التي استثمرت بشكل كبير في تطوير الذكاء الاصطناعي.
ويشرف طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني وشقيق الرئيس محمد بن زايد آل نهيان، على أصول تتجاوز 1.5 تريليون دولار أمريكي، ويقود جهودًا تهدف إلى تحويل أبوظبي إلى قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي.
ومن خلال كيانات مثل مجموعة G42 التكنولوجية، تهدف الإمارات إلى ترسيخ دورها الرائد في صناعة الذكاء الاصطناعي العالمي، من خلال تعزيز التعاون مع شركات التكنولوجيا الأمريكية للحد من المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالتعاون الصيني.
في المراكز العمرانية مثل دبي وأبو ظبي، يُطبّق نظام المراقبة المدعوم بالذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. يدمج برنامج “عيون” في دبي أكثر من 300 ألف كاميرا مزودة بخاصية التعرف على الوجه، مما يتيح مراقبة فورية للسكان والزوار. وبالمثل، يوفر نظام “عين الصقر” في أبوظبي مراقبة شاملة في جميع أنحاء المدينة، مما يعزز قدرة الحكومة على تتبع تحركات الأفراد.
الآثار المترتبة على حقوق الإنسان
مخاوف الخصوصية
يُشكل الانتشار الواسع لتقنيات مراقبة الذكاء الاصطناعي في الأماكن العامة تهديدات جسيمة لخصوصية الأفراد. إن قدرة هذه الأنظمة على مراقبة وتحليل السلوكيات الشخصية باستمرار دون موافقة أفراد المجتمع، تُشكل انتهاكًا للحق في الخصوصية المنصوص عليه في المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وقد تؤدي هذه المراقبة المكثفة إلى الرقابة الذاتية، إذ قد يُغير الأفراد سلوكهم لإدراكهم أنهم مُراقَبون باستمرار.
حرية التعبير وتكوين الجمعيات
تُفاقم قوانين الجرائم الإلكترونية الصارمة في الإمارات المخاوف المتعلقة بمراقبة الذكاء الاصطناعي. يُجرّم القانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية الأنشطة الإلكترونية التي تُخالف المبادئ الأساسية للحكم أو تُسيء إلى الدول الأجنبية، بعقوبات تصل إلى السجن المؤبد. وقد استُخدم هذا الإطار القانوني لقمع المعارضة، مما أدى إلى سجن أكاديميين وصحفيين ونشطاء بسبب تعبيرهم السلمي على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي اعتُبر تقويضًا لسلطة الحكومة.
إساءة استخدام تقنيات المراقبة
تشير التقارير إلى أن الإمارات استخدمت برامج تجسس متطورة، مثل برنامج بيغاسوس الذي طورته مجموعة NSO الإسرائيلية، لمراقبة المعارضين ومن يُنظر إليهم على أنهم معارضون محليًا ودوليًا. ومن الجدير بالذكر أن المدافع عن حقوق الإنسان أحمد منصور حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات بناءً على معلومات مُستخرجة من جهازه المخروق ببرنامج بيغاسوس. وتبرز هذه الإساءة في استخدام أدوات المراقبة إمكانية استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي بطرق تنتهك حقوق الإنسان وتُقمع النقد المشروع.
التدقيق والاستجابة الدولية
جذبت ممارسات المراقبة في الإمارات اهتمامًا عالميًا، لا سيما في سياق الفعاليات الدولية التي تُقام على أراضيها. على سبيل المثال، خلال مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين لتغير المناخ (COP28) الذي عُقد في دبي، أُثيرت مخاوف بشأن إجراءات المراقبة المكثفة التي قد تنتهك حقوق المشاركين في الخصوصية وحرية التجمع. واعتُبر وجود تقنيات مراقبة شاملة تهديدًا للحوار المفتوح ونجاح المؤتمر بشكل عام.
كما سلّطت التحقيقات الصحفية الضوء على الآثار الأوسع نطاقًا لمثل هذه المراقبة. ويتناول الفيلم الوثائقي “مراقب” لرونان فارو الانتشار العالمي لبرامج التجسس وتأثيرها على الديمقراطية والحرية، مشددًا على ضرورة وضع لوائح دولية لتنظيم استخدام هذه التقنيات التطفلية.
موازنة التقدم التكنولوجي مع حقوق الإنسان
في حين أن سعي الإمارات نحو التقدم التكنولوجي من خلال الذكاء الاصطناعي يُتيح فوائد مُحتملة في مجالات مثل التخطيط العمراني والرعاية الصحية والأمن، إلا أنه من الضروري موازنة هذه التطورات مع حماية حقوق الإنسان الأساسية. ينبغي وضع أطر قانونية شفافة، وضمان المساءلة عن إساءة استخدام هذه التقنيات، مع العمل على تعزيز التعاون مع الهيئات الدولية لحقوق الإنسان، من أجل التخفيف من التأثيرات السلبية للمراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
الخلاصة: إن إدخال تقنيات المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة يعكس اتجاهًا عالميًا حيث تسعى الدول إلى استخدام أدوات تكنولوجية متطورة لتعزيز إدارة الأمن والحكومة.
ومع ذلك، فإن غياب الضمانات الكافية قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعدي على الخصوصية وحرية التعبير وحرية التجمع. ومن أجل أن تواصل الإمارات دورها الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي، يجب أن تضمن تطبيق هذه التقنيات بطريقة تحترم حقوق مواطنيها وتلتزم بالمعايير الدولية.