الإعدامات السياسية في المملكة: قمعٌ مغلف بعباءة “الخيانة العظمى”
منذ بداية عام 2025، تشهد المملكة العربية السعودية تصاعدًا مقلقًا في تنفيذ أحكام الإعدام بحق معتقلين سياسيين. ووفقًا لبيانات وزارة الداخلية، نُفّذ حتى 14 أغسطس/آب الجاري 26 حكمًا بالقتل، من بينها 21 حكمًا لا تتعلق بجرائم قتل عمد. وتضمنت هذه القضايا ست حالات على الأقل مرتبطة بتهم “الخيانة العظمى” و”التخابر”، وهي تهم واسعة وفضفاضة غالبًا ما تُستخدم كأداة سياسية لإسكات الأصوات الناقدة.
قضية تركي الجاسر: “تغريدة قاتلة”
في 14 يونيو/حزيران 2025، أُعدم الصحفي تركي الجاسر بتهم تتعلق بالخيانة العظمى والتخابر وتلقي أموال من جهات خارجية. ورغم خطورة الاتهامات، لم تُعلن أي أدلة ملموسة تدعمها. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن اعتقال الجاسر جاء بعد كشف هويته كصاحب حساب مجهول على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، ما يثير تساؤلات جدية حول طبيعة “الأدلة” وحقيقة خلفيات القضية.
عبد الله الشمري: من الاستوديوهات الرسمية إلى مقصلة الإعدام
من بين القضايا الأبرز، تبرز قضية عبد الله بن هاجس بن غازي الشمري، الذي أُعدم ضمن عملية إعدام جماعي في فبراير/شباط 2024. ورغم أن البيان الرسمي تحدث عن تهم “خيانة الوطن” و”تهديد الأمن القومي”، إلا أن المعطيات المتوفرة تكشف أن الشمري كان خبيرًا في العلاقات الدبلوماسية، ومستشارًا في وزارة الإعلام والثقافة، وظهر على قنوات رسمية بصفته خبيرًا في الشؤون التركية.
هذا التناقض بين سيرته المهنية والتهم الموجهة إليه يعكس طبيعة غامضة وانتقامية لهذه الإعدامات، خصوصًا في ظل غياب الشفافية وفرض الترهيب على عائلات الضحايا.
قوانين فضفاضة تُستخدم سلاحًا
ينص قانون محاكمة الوزراء في مادته الثالثة على سبعة بنود تُعرّف “الخيانة العظمى”، من بينها: حمل السلاح ضد الدولة، تسهيل دخول العدو، إفشاء أسرار الدفاع. غير أن السلطات السعودية توسع استخدام هذه البنود لتشمل أنشطة سلمية أو تعبيرًا عن الرأي.
ولعل أوضح مثال على ذلك ما حدث مع محمد بن ناصر الغامدي، الذي حُكم عليه بالإعدام عام 2023 بتهم شملت “خيانة الوطن والإساءة إلى ولاة الأمر”، بناءً على حسابين في تويتر لا يتجاوز عدد متابعيهما عشرة أشخاص، وقناة يوتيوب شبه خاملة. لاحقًا، وتحت الضغط الدولي، تم تغيير الحكم، في دليل على طبيعة الانتقائية السياسية للأحكام.
غياب الشفافية ومخاطر التوسع
ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن حالة عبد الله الشمري تمثل قمة جبل الجليد لما يجري خلف الكواليس، حيث يُتوقع أن تكون هناك قضايا مشابهة لم يُكشف عنها بعد. وتؤكد المنظمة أن السلطات تنتهج سياسة تعمد إلى الخلط بين قضايا مختلفة وتنفيذ الإعدامات جماعيًا، لتضليل الرأي العام وتجنب التركيز على حالات فردية بعينها.
كما أن استمرار هذا النهج يعكس خطورة التعريفات الفضفاضة في القوانين السعودية، والتي تتيح للنظام إصدار وتنفيذ أحكام بالإعدام حتى في قضايا حرية التعبير أو الخلافات السياسية الداخلية.
أبعاد أعمق: بين القمع والانتقام
قضية عبد الله الشمري تطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن لشخص عمل في خدمة الدولة وشارك في ترويج سياساتها أن يتحول إلى “خائن” في نظرها؟ هذا التحول السريع يكشف عن طبيعة هشّة للعلاقة بين النظام والنخب المرتبطة به، حيث قد يتحول أي خلاف أو اختلاف في الرأي إلى قضية خيانة عظمى تنتهي بحكم إعدام.
إلى جانب ذلك، تعكس هذه الإعدامات مسعى السلطات إلى ترهيب المجتمع بالكامل عبر ضرب أمثلة قاسية لشخصيات عامة، في رسالة مفادها أن لا أحد بمنأى عن المقصلة، حتى أولئك الذين كانوا جزءًا من مؤسسات الدولة.