الجيش الإسرائيلي يُعدم شقيقين بعد تنفيذهما أمر إخلاء في خانيونس
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن قوات الجيش الإسرائيلي تواصل استهداف المدنيين بشكل مباشر وارتكاب جرائم قتل عمد وإعدامات تعسفية خارجة عن نطاق القضاء ضدهم، بالتزامن مع هجومها الواسع في غرب خانيونس جنوبي قطاع غزة، وفي إطار مواصلتها ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
وأكد الأوروتوسطي في بيان له أنه وثق جريمة إعدام تعسفي وخارجة عن نطاق القانون والقضاء وجريمة قتل عمد مروعة نفذتها وحدات القناصة في الجيش الإسرائيلي استهدفت فيها شقيقين، أحدهما طفل، وقتلا أمام أعين والديهما وباقي أفراد أسرتهما في وقت كانوا يستعدون للنزوح القسري عن منزلهما في حي الأمل غرب خانيونس، الذي اجتاحته القوات الإسرائيلية وترتكب فيه العديد من الانتهاكات والجرائم، بحسب ما وثقه الأورومتوسطي.
وأفاد شاهد عيان طلب عدم ذكر اسمه لفريق الأورومتوسطي أنه ما بين الساعة العاشرة والنصف والساعة الحادية عشرة صباح الأربعاء الموافق 25 كانون ثانٍ/يناير الجاري، خرج الطفل “ناهض عادل بربخ” (14 عامًا)، وهو يحمل في يده راية بيضاء من منزله القريب من مدرسة “حي الأمل” غرب خانيونس، في مقدمة مجموعة من أفراد أسرته الذين كانوا يستعدون لمغادرة منزلهم للنزوح عن المنطقة بسبب صدور أوامر إخلاء إسرائيلية لها، والطلب منهم التوجه نحو المواصي. وبمجرد أن مشى الطفل نحو 3-4 أمتار عن منزله قاطعًا الشارع باتجاه الرصيف الآخر، سقط على الأرض بعد إصابته بعيار ناري في ساقه، وسمع صوت العيار الناري وكان من الواضح أنه قادم من جهة بناية سكنية في الجهة الشرقية بجوار مسجد “حسن البنا”. خلال لحظات، تبين أن هناك قناصة للجيش الإسرائيلي تعتلي إحدى البنايات في تلك المنطقة التي تبعد حوالي 100 متر عن مكان سقوط الطفل. حاول الطفل “ناهض” القيام فأطلق القناص الإسرائيلي عيارًا ثانيًا تجاهه وأصابه في جانبه، وحين كرر محاولة النهوض للمرة الثالثة، أطلق القناص عيارًا ناريًّا آخر أصابه في رأسه ليقتله على الفور. عندها أسرع شقيقه “رامز” (20 عامًا) تجاهه لمحاولة سحبه على جانب الشارع بعيدًا عن مرمى القناص الإسرائيلي بهدف محاولة إسعافه؛ وحين وصله، أطلق القناص الإسرائيلي عيارًا ناريًّا أصابه في مؤخرة رأسه ليسقط فوق شقيقه، وبقيا في منتصف الطريق ينزفان حتى الموت، دون أن يتمكن أحد من باقي أفراد أسرتهما من مساعدتهما، بمن فيهم والديهما اللذان كانا يشاهدان إعدامهما ويعجزان عن سحب جثمانيهما.
وأبرز الأورومتوسطي أن تحقيقاته الأولية وإفادات شهود العيان تشير إلى أن الطفل “ناهض” كان في مكان مكشوف للقناص الإسرائيلي وغير بعيد عنه، ولم يكن يشكل أي خطر عليهم، فيما كان من الواضح أنه طفل ويمشي في شارع يسلكه السكان الذين يحاولون النزوح من المنطقة بعد تكرار أوامر الإخلاء الإسرائيلية، والتي كان أحدثها يوم أمس بإلقاء منشورات تطالب السكان بمغادرة منازلهم باتجاه منطقة المواصي (غربي خانيونس)، وهو ما كانت تحاول عائلة الشقيقين “ناهض” و”رامز” فعله.
وبالتالي، فإن هذه المعطيات تدلل أن عمليات القتل التي استهدفتهما متعمدة وغير مبررة، وهو ما يتضح كذلك من خلال طريقة تنفيذ جريمة القتل وتكرار إطلاق النار علي الشقيقين رغم عدم تشكيلهما أي خطر، وتصويب النيران بدقة نحو الأماكن القاتلة في أجسادهم.
ويرى المرصد الأورومتوسطي أن هذه الجريمة تأتي لتضاف إلى عمليات استهداف المدنيين بشكل واسع النطاق ومنهجي دون مبرر، وإلى جرائم القتل العمد والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء المرتكبة ضد المدنيين العزل، والتي تصب جميعها في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
وأشار الأورمتوسطي إلى أنه سبق أن وثق قبل هذه الواقعة بيوم، إطلاق الجيش الإسرائيلي النار تجاه أربعة أشخاص كانوا يرفعون رايات بيضاء وبطاقات الهوية وأيديهم للأعلى خلال محاولتهم الوصول لمنزلهم من أجل إخراج 50 شخصًا من أفراد عائلاتهم من منزل محاصر غربي مخيم خانيونس، ما أسفر عن مقتل أحدهم وهو رمزي أبو سحلول.
كما أشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنه سبق ووثق عشرات حالات الإعدام التعسفية والخارجة عن نطاق القانون والقضاء والقتل العمد التي اقترفها الجنود الإسرائيليون في مناطق التوغل ضد مدنيين عزل، دون أي ضرورة عسكرية أو سبب محدد.
وأكد الأورومتوسطي أن القوات الإسرائيلية صعدت منذ يوم الأربعاء الماضي هجومها على الجزء الغربي من خانيونس، خاصة المخيم الغربي وحي الأمل، وأطراف من منطقة المواصي، وقصفت ما لا يقل عن خمسة مراكز إيواء، في مقدمتها مركز تدريب “الصناعة” التابع للأونروا، ما أدى إلى مقتل 14 مدنيًّا وإصابة أكثر من 50 آخرين داخله، إضافة إلى مقتل آخرين في جامعة “الأقصى” و”الكلية الجامعية.” كما قُتل عدد من النازحين في خيامهم أو خلال محاولتهم الانتقال إلى رفح.
وذكّر الأورومتوسطي أنه سبق أن قدم ملفًا أوليًّا إلى مقررين خاصين للأمم المتحدة ومدعى عام المحكمة الجنائية الدولية يشمل عشرات حالات الإعدام الميداني التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، داعيًا إلى التحقيق الفوري بها لمحاسبة مرتكبيها وإنصاف الضحايا.
وقدم الأورومتوسطي الملف الأولي إلى كل من السيد “موريس تيدبال بنز”، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا، والسيدة “فرانشيسكا ألبانيز”، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والسيّدة “نافانيثيم بيلاي”، رئيسة لجنة التحقيق المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، والسيد “كريم خان”، المدعي العام للمحكمة الجنائية.
وحث الأورومتوسطي الجهات المذكورة على إعلان موقف من مجمل عمليات القتل الواسعة التي تنفذها القوات الإسرائيلية وتستهدف المدنيين الفلسطينيين، وبشكل خاص عمليات القتل العمد والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء في قطاع غزة، واتخاذ كافة الإجراءات المخولين بها، إما بالنيابة عن الضحايا الفرديين أو للفت انتباه السلطات الإسرائيلية والدول وكذلك الهيئات والمؤسسات الدولية، بمن في ذلك المفوض السامي لحقوق الإنسان، إلى حالات الإبادة الجماعية القائمة في قطاع غزة، بأسرع وقت ممكن، والاستجابة بفعالية للمعلومات التي ترد إليه، والتحقيق بشأنها، وفقًا لمقتضيات وظائفهم وولايتهم المنوطين بها.
وطالب الأورومتوسطي بالإعلان عن تشكيل فريق قانوني دولي، والضغط لضمان وصوله إلى قطاع غزة وفتح تحقيق في هذه الوقائع وغيرها من عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين وتصفيتهم جسديًّا.
ويشدد الأورومتوسطي على أن جرائم القتل والإعدامات التي نفذتها القوات الإسرائيلية تنتهك المعايير الدولية، لا سيما المتعلقة بحظر تعمد استهداف المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، أو قتلهم بشكل عمدي، وإلا اعتبر ذلك بمثابة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وشكلًا من أشكال جريمة الإبادة الجماعية.
كما تنتهك هذه الجرائم الحق في الحياة المنصوص عليه في المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص بأن الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان، وأن “على القانون أن يحمي” هذا الحق وأنه “لا يجوز حرمان أحد من الحق في الحياة تعسفاً”.
وعليه، دعا المرصد الأورومتوسطي المقررين الخواص في الأمم المتحدة ومدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في الانتهاكات الموثقة أعلاه وغيرها من جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في قطاع غزة، وتقديم كل من أصدر الأوامر ونفذها إلى العدالة.