أُسر المخفيين يحيون اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري في بيروت
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – في شتى أنحاء الشرق الأوسط، تعرّض سلطات تابعة للدولة وجهات فاعلة غير تابعة للدولة، مثل جماعات المعارضة المسلحة، الأشخاص للاختطاف والإخفاء كطريقة لسحق المعارضة.
بالإضافة إلى تعزيز سلطتها، وبث الذعر داخل المجتمعات، في ظل الإفلات من العقاب في معظم الأحيان.
ومع أن معظم الحكومات في المنطقة لم تُجر بعد تحقيقات في حالات الاختفاء ولم تقدم أعدادًا دقيقة للمفقودين أو المخفيين، فإن منظمات المجتمع المدني وهيئات الأمم المتحدة قد نشرت أعدادًا تقديرية للأشخاص المختطفين والمخفيين في كل بلد.
تجمع ممثلون عن أُسر الأشخاص المخفيين قسرًا في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن في بيروت لمطالبة حكومات بلدانهم بحماية حقوقهم في الحقيقة والعدالة والتعويض.
وذلك خلال فعالية نظمتها منظمة العفو الدولية بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري.
وتشير هذه الأرقام في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، عند ضربها بتقدير متحفظ لمجموع عدد سنوات اختفاء هؤلاء الأشخاص، إلى أن الأسر أمضت حتى الآن ما مجموعه أكثر من مليون سنة بانتظار الأجوبة – وهذه مدة زمنية موجعة جدًا.
وقالت آية مجذوب، نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “لمواجهة لامبالاة وتواطؤ حكومات دول أسر المخفيين في شتى أنحاء الشرق الأوسط فيما يخص جريمة الإخفاء القسري، قاد أفراد هذه الأسر الحملة، سنة بعد أخرى، للمطالبة بحقهم في معرفة ما حدث لأحبائهم والحصول على العدالة والتعويض – معرضين أنفسهم في الكثير من الأحيان لمخاطر شخصية شديدة”.
وأضافت: “اليوم نعرب عن تقديرنا واحترامنا لمثابرتهم ونضيف صوتنا إلى أصواتهم في دعوة السلطات إلى اتخاذ إجراءات حقيقية للتحقيق في هذه الجرائم، وإخضاع الذين يُشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عنها للمساءلة والحرص على منع ارتكاب هذه الجرائم مجددًا”.
في العراق يُشير تقدير الأمم المتحدة إلى اختفاء ما بين 250,000 ومليون شخص منذ عام 1968 – ما يجعله أحد البلدان التي لديها أكبر عدد من حالات الاختفاء في العالم. وما زالت ميليشيات تابعة للحكومة ترتكب عمليات إخفاء حتى يومنا هذا.
وقد أخفقت الحكومات العراقية المتعاقبة على نحو متكرر في اتخاذ خطوات مجدية للتحقيق في حالات الاختفاء أو مساءلة الأشخاص الذين يُشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عنها.
وقالت وداد الشمري، التي لا يزال ابنها في عداد المفقودين منذ عام 2006، وهي من مؤسسة الحق لحقوق الإنسان، إحدى المنظمات العراقية: “كنت مجرد محتجة حتى تعرفت على آخرين يشاركوني النضال وألّفنا تجمعًا قويًا يبحث عن الحقيقة لجميع المختفين في العالم العربي وليس فقط في العراق”.
في لبنان يُقدّر العدد الرسمي للأفراد الذين اختُطفوا أو فُقدوا نتيجة للحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 بحوالي 17,415.
وفي كل عام في 13 أبريل/نيسان – الذكرى السنوية لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية – تجتمع أسر المفقودين والمخفيين لإحياء ذكرى بدء النزاع، مُرددة شعار “تنذكر وما تنعاد”.
وقد منحت السلطات اللبنانية عفوًا عن مرتكبي الجرائم التي وقعت إبان الحرب الأهلية، لكن عقب سنوات من الحملات، نجحت عائلات المخفيين في الضغط على الحكومة عام 2018 للإقرار بحالات الاختفاء التي حدثت.
كذلك، أصدرت الحكومة قانونًا أُسست بموجبه الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرًا التي كُلّفت بالتحقيق في الحالات الفردية، وتحديد أماكن المقابر الجماعية واستخراج الرفاة منها، وتمكين الأفراد من إجراء عملية بحث عن المفقودين والمخفيين.
ولكن قالت وداد حلواني، التي اختُطف زوجها عام 1982 والتي تترأس لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، “اليوم صرختنا قوية. الهيئة الوطنية صار عمرها 3 سنين”.
وأضافت حلواني: “باقي سنتين من عمرها. الهيئة أسست استراتيجية واضحة لعملها لكن لن نستطيع التنفيذ من دون الإمكانيات المالية واللوجستية اللازمة. على الدولة توفير هذه الإمكانيات فورًا”.
أخفت السلطات السورية قسرًا منذ عام 2011 عشرات الآلاف من معارضيها الحقيقيين أو المتصورين – ومن ضمنهم نشطاء سياسيون، ومحتجون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وصحفيون، ومحامون، وأطباء، وعاملون في مجال المساعدات الإنسانية في أطار هجوم واسع النطاق وممنهج ضد السكان المدنيين يرقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
وقد فُقد كذلك الآلاف عقب احتجازهم من جانب جماعات معارضة مسلحة وما يسمى بالدولة الإسلامية. ونظرًا إلى الدور الذي اضطلعت به الحكومة السورية بتنظيمها لحملة عمليات الاختفاء القسري، فقد ساد في سوريا مناخ إفلات تام من العقاب على هذه الجرائم. وبالتالي، لجأت الأسر إلى آليات عدالة دولية.
وفي انتصار عظيم لأسر المفقودين والمختفين، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 29 يونيو/حزيران 2023، لصالح إنشاء مؤسسة دولية تختص بتوضيح مصير المفقودين والمختفين منذ اندلاع النزاع المسلح في سوريا وأماكن وجودهم.
وقالت فدوى محمود من حركة عائلات من أجل الحرية، والتي أُخفي زوجها وابنها في سوريا عام 2012: “كانت أحلامنا كبيرة بالـ[أي: في] 2011”.
وأضافت: “بس دفعنا ثمن غالي كتير [أي: ولكن دفعنًا ثمنًا كبيرًا للغاية]. زوجي وإبني مخفيون قسرًا من[ذ] [سبتمبر/]أيلول 2012. واجهنا خوفنا ورفعنا صوتنا حتى وصل للأمم المتحدة. المؤسسة هي نتيجة جهودنا كأهالي المعتقلين وهيدي[أي: وهذه] قوتها. لذلك نطالب بممارسة دور أساسي فيها”.
وثّقت منظمات حقوق الإنسان في اليمن 1,547 حالة لأشخاص مخفيين ومفقودين منذ عام 2015. ولا يزال كافة أطراف النزاع – ومن ضمنهم سلطات الأمر الوقع الحوثية، وقوات الحكومة المعترف بها دوليًا – يرتكبون هذه الجرائم مع إفلات من العقاب في وقت تحوّل فيه انتباه العالم إلى مكان آخر.
ومنذ أن صوّت مجلس حقوق الإنسان عام 2021 على إنهاء تفويض فريق الخبراء البارزين – في أعقاب ضغط شديد مارسته السعودية – جُمدت جهود مساءلة جميع أولئك الذين يُشتبه في مسؤوليتهم الجنائية في محاكمات عادلة وإحقاق حقوق الضحايا في الحصول على تعويضات.
وقالت رابطة أمهات المختطفين في اليمن: “تعرضنا للعنف والضرب والتهديد خلال احتجاجاتنا لكن لا زلنا مستمرين ونحاول إحراز التقدم في كل خطوة. نعتبر أنفسنا أمهات كل المخفيين قسرًا في العالم العربي ونحاول معرفة مصيرهم”.