الأورومتوسطي: تطبيق مبدأ الشفافية في منظومة الإدارة المالية لمنظمات حقوق الإنسان
يمثل الفساد خطرًا داهمًا على التنمية في جميع البلدان، إذ يعمل على زعزعة ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة، ويتسبب في إعاقة تطور مؤسساتها ونقلها إلى حالة الاستقرار والازدهار.
وكسائر الكيانات الأخرى، تتأثر منظمات حقوق الانسان بانتشار الفساد بالدولة؛ وقد تنحدر بعض المؤسسات لممارسة الفساد بسبب ثقافة السرية والحصانة التي تحول دون خضوعها للتدقيق الدوري.
على الصعيد العالمي، يتزايد عدد منظمات حقوق الإنسان وحجمها وأهميتها؛ وهذا النمو ناتج عن تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، والمشكلات الاجتماعية ذات الطابع الاقتصادي والسياسي.
تهدف منظمات حقوق الانسان كسائر المنظمات غير الربحية إلى تلبية المطالب الجماعية التي لا يستطيع القطاع العام تغطيتها، ولتحقيق هذه المهمة، فهم بحاجة إلى ثقة الجهات المانحة، ما يجعل من الضروري تنفيذ إجراءات الشفافية من تلك المنظمات.
عندما تفتقر منظمات حقوق الانسان للشفافية، يكون من السهل على شخص ما إساءة استخدام الأموال والاستفادة من المتبرعين والمنظمة.
وللأسف، أصبحت الأمثلة حول هذه الانتهاكات شائعة جدًا وتسببت في تراجع ثقة الجهات المانحة. ومع ذلك، إذا أصبحت المنظمات الحقوقية أكثر شفافية وشاركت المزيد من المعلومات، فيمكن استعادة تلك الثقة.
يستند جوهر الشفافية المالية على خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والموارد والأعمال الحالية لمنظمات حقوق الإنسان متاحة ومنظورة ومفهومة لكل الأطراف ذات العلاقة.
ولكي تكون المؤسسات المستجيبة لحاجات الناس ومشاكلهم منصفة وفاعلة؛ فإن عليها ممارسة الشفافية في كل ما يتعلق بالمنظمة ورسالتها، وسياستها، ونشاطاتها على المستويات الإدارية والمالية كافة بطريقة واضحة ومعلنة وبشكل يسمح بمساءلة جادة للمنظمة وللعاملين بها فيما يتعلق بمعاملاتها كافة.
وفيما يتعلق بالشفافية المالية، فتطبقها مؤسسات حقوق الإنسان باعتمادها على سياسات الإدارة المالية الواضحة بما يخص مواردها المالية وعلاقتها وطرق التمويل المتبعة لجلب الأموال، بالإضافة إلى بناء تقاريرها المالية وعرضها وتوثيقها فوق معايير المحاسبة الدولية، وتوفر تلك المعلومات عند الطلب.
ينبغي أيضًا على المنظمات الحقوقية اطلاع الأطراف ذات العلاقة (أعضاء الجمعية العمومية، الجهات المانحة، المستفيدين) على خططها واستراتيجيات العمل، وإشراك الفئة المستهدفة في صياغة هذه الخطط والتعليق عليها، وتفصيل أنشطتها وبرامجها وكيفية الحصول على خدماتها، وكيفية تأدية هذه الخدمة.
وبالتزامن مع تلك الإجراءات، تتعهد مؤسسات حقوق الإنسان بالإفصاح عن كيفية استخدام المعلومات، والمحافظة على سرية المعلومات الشخصية المتعلقة بالفئات المستهدفة وضمان حمايتهم ما لم يتنازل الأشخاص المعنيون عن هذا الحق أو يتطلب القانون كشف هذه البيانات.
يساهم العمل على تنمية وعي العاملين في مؤسسات حقوق الانسان بمفهوم الشفافية وشرح الأشكال المختلفة للفساد ومعرفة الأدوات والأساليب اللازمة لمكافحة وتوفير إجراءات داخلية لاستقبال شكاوى الموظفين والمتطوعين، على تعزيز تطبيق مبدأ الشفافية المالية والمساءلة ومحاربة الفساد في تلك المنظمات.
وفي نفس الوقت، يتعيّن على المنظمات الحقوقية توفير مساحة آمنة لموظفيها للإبلاغ عن المخالفات الداخلية، ما يمكنها من تكوين لجان تدقيق ومراقبة، والتي بدورها تتخذ الاجراءات اللازمة للتصدي لتلك المخالفات، ومعالجة المشاكل في حال حدوثها، واتخاذ الإجراءات التأديبية المختلفة.
تزداد في جميع أنحاء العالم مطالبات المؤسسات المانحة والجهات الرقابية لمنظمات حقوق الانسان بتعزيز مبدأ الشفافية بشكل عام، والشفافية المالية بشكل خاص، كأحد المفاتيح ازدهار المنظمات، وأحد المعايير الأساسية التي تساعد في الحفاظ على الثقة.
كما تعد الشفافية المعيار الذي يتم به تقييم الأداء المؤسساتي، وتسهل مهام المتابعة والرقابة والمساءلة، وتسهم بشكل كبير في جهود مكافحة الفساد.
لا توجد طريقة محددة لقياس الشفافية، إذ تستخدم الجهات المانحة أدوات مختلفة -مثل الاستبيانات والاختبارات الإحصائية والمقابلات- للإجابة على أسئلة محددة للوصول إلى فهم عام لسلوك المؤسسة في مختلف الاتجاهات.
وبالتالي، فإن تلك الأدوات لا تؤدي إلى قياس مستوى الشفافية بشكل دقيق، بل تمثل دليلًا للجهات المانحة لتحديد كيفية إدارة الأموال والموارد في المنظمات الحقوقية التي خصصت الأموال لها.
وفي تلك الحالة فإنّ منظمات حقوق الانسان ملزمة بتطوير آليات الرقابة الداخلية التي تسمح للجهات المانحة بتقييم وجهة الموارد وفقًا لمهمتهم الاجتماعية.
إنّ الشفافية والحكم الرشيد ضروريان لتحقيق المصداقية الاجتماعية التي تسمح باستمرارية المنظمة وتحقيق أهدافها.
ولذلك، فإنّ تحسين المساءلة والشفافية من أهم الأمور وأكثرها تعقيدًا بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان لضمان استمرارية واستدامة عملها الاجتماعي لصالح المجتمع والفئات المهمشة. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل مجرد وضع قواعد محاسبية كافٍ لزيادة الشفافية في المنظمات الحقوقية؟