مجلس الأمن: هناك حاجة إلى رؤية شاملة للتصدي للعنف ضد الأطفال في سياق النزاع المسلح
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – عقد مجلس الأمن الدولي أمس الاثنين جلسة إحاطة برئاسة مالطا تناول فيها موضوع الوقاية فيما يتعلق بالبند المعنون “الأطفال والنزاع المسلح“.
وتعقد دولة مالطا، رئيسة الفريق العامل المعني بالأطفال والنزاع المسلح، الاجتماع كأحد الأحداث المميزة لها خلال رئاستها لمجلس الأمن. وتخطط لإعداد ونشر موجز عن الإحاطة كمحصلة لهذا الاجتماع.
وقد دأب المجلس على الإقرار بحالة الأطفال المتضررين من النزاع المسلح باعتبارها مسألة تتعلق بالسلام والأمن الدوليين بطرق منها اتخاذه 13 قرارا بشأن الأطفال والنزاع المسلح.
وعلى الرغم من التقدم المحرز في هذا الصدد، مازال ارتكاب الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال مستمرا على نطاق مثير للجزع، وما زالت الوقاية أمرا لا غنى عنه.
وكان المجلس قد حدد في قرار عام 2018 الحاجة إلى إعطاء الأولوية لممارسات الوقاية. ولكنه لم يقدم مبادئ توجيهية واسعة النطاق عن كيفية تفعيل التدابير الوقائية لتحقيق هذا الهدف.
وشدد كذلك على ضرورة العمل بطريقة منسقة للوقاية على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني والمجتمعي.
وقد أتاحت الجلسة الفرصة لتدارس أفكار ملموسة لزيادة تعزيز الوقاية في إطار الخطة المتعلقة بالأطفال والنزاع المسلح، بما في ذلك كيفية الاستفادة الكاملة من الأدوات الحالية لمنع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في حالات النزاع المسلح.
وفي مستهل الجلسة قدمت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فيرجينيا غامبا إحاطة شددت فيها على ما ورد على لسان الأمين العام في الجمعية العامة الأسبوع الماضي حيث أعرب عن الحاجة إلى رؤية شاملة للسلام تحدد الأسباب الجذرية للنزاع.
واقتبست عنه قائلة: “(نحن بحاجة إلى رؤية شاملة) تستثمر في الوقاية لتجنب النزاعات في المقام الأول، وتركز على الوساطة، وتعزز بناء السلام وتشمل مشاركة النساء والشباب على نطاق أوسع”.
في عام 2021، وهو آخر عام مشمول بتقرير الأمين العام، تحققت الأمم المتحدة من ما يقرب من 24000 انتهاك جسيم ضد الأطفال.
وكانت الانتهاكات التي تم التحقق منها بأعلى أرقام هي القتل والتشويه والتجنيد والاستخدام، تلاها منع وصول المساعدات الإنسانية والاختطاف.
بينما يقوم مكتب غامبا حاليا بإعداد التقرير المقبل لعام 2022، “تُظهر البيانات التي تم جمعها استمرار هذه الاتجاهات”، بحسب ما أفادت به الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاع المسلح.
ووصفت فرجينيا غامبا عملية توثيق الانتهاكات والتجاوزات والتحقق منها بـ”الخطوة الأولى الحاسمة لفهم حالة الأطفال في النزاع المسلح على أرض الواقع”.
غير أنها شددت على أن دورات العنف والصراع المستمرة تزداد حدة وتكرارا وتعقيدا. لذلك فإن “فهم وتحديد المخاطر ونقاط الضعف الموجودة مسبقا بالنسبة للأطفال سيكون أمرا بالغ الأهمية لحمايتهم ومنع انتهاكات حقوقهم بمجرد حدوث النزاع”.
وأوضحت السيدة غامبا أن أجندة الأمم المتحدة الخاصة بالأطفال والنزاع المسلح تمتلك العديد من الأدوات والمبادرات القوية التي تم تطويرها على مستويات مختلفة.
وأكدت غامبا أن أجندات الأمم المتحدة الخاصة بالأطفال تهدف لحمايتهم من الانتهاكات الجسيمة في المواقف التي يتم رصدها من خلال هذه الأجندة.
وأشارت في هذا السياق إلى قوة هذه الأجندة التي تكمن في “الحوار مع أطراف النزاع”. بالإضافة إلى مئات الالتزامات بما في ذلك 41 خطة عمل وضعتها الأطراف المتحاربة لحماية الأطفال بشكل أفضل منذ بداية تفويض مكتبها.
في الآونة الأخيرة، قالت ممثلة الأمين العام إن التفويض سعى أيضا إلى تعزيز الوقاية، مدعوما باتخاذ مجلس الأمن للقرار 2427 ووضع خطط منع مشتركة مع الحكومات في الحالات المدرجة على جدول أعمالنا، بالإضافة إلى خطط العمل وغيرها من الاتفاقات الملموسة والمحددة زمنيا.
يمنح مجلس الأمن اليوم مكتب غامبا فرصة للتركيز على قراره 2427 وحاجته إلى توفير الدعم والقدرة على مواصلة تنفيذه وتشغيله.
“ولكن هناك الكثير الذي يتعين القيام به”، شددت غامبا، مشيرة إلى أن “هناك فرصة لوضع استراتيجيات على المستوى الوطني أو نهج مشتركة للوقاية.
وكذلك على المستويين دون الإقليمي والإقليمي، وتوفير القدرات الكافية للحكومات الراغبة في الانخراط في هذا الاتجاه”.
ودعت إلى “نشر قدرة وخبرة الأمم المتحدة في مجال حماية الطفل لدعم هذا الجهد”، موضحة في هذا الصدد أهمية الشراكة بين مكتبها ومكتب الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف ضد الأطفال، نجاة معلا مجيد، للتصدي لاستمرار العنف وتوقع المخاطر قبل النزاع وأثناءه وبعده من أجل إغلاق حلقة الصراع.
من جهتها، أشارت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف ضد الأطفال نجاة معلا مجيد، إلى أنه غالبا ما تتداخل النزاعات مع أزمات أخرى، مثل أزمة المناخ والأزمة المالية وتزيد من التفاوتات الاجتماعية الموجودة مسبقا والفقر والجوع والتمييز، مما يزيد من تفاقم مخاطر وتأثير العنف على الأطفال. فقد نزح ملايين الأطفال من ديارهم نتيجة الصراع والعنف والأزمات الأخرى.
والأطفال الذين ليس لهم دور في النزاع يعانون أكثر من غيرهم من عواقبه، “لكن هذا ليس حتميا”، شددت مجيد مشيرة على أنه من الممكن منع الانتهاكات الجسيمة الستة وأشكال العنف المترابطة عبر سلسلة النزاع إذا:
- تم تحديد المخاطر ونقاط الضعف الموجودة مسبقا لدى الأطفال ومعالجتها على النحو الواجب قبل اندلاع النزاع.
- التزمت جميع الأطراف أثناء النزاع بأعلى معايير الحماية بما في ذلك الوصول إلى المساعدات الإنسانية ودعم الأطفال.
- تم تقديم الدعم والاستثمار في إعادة بناء حياتهم باستمرار بعد النزاعات.
وشددت في هذا الصدد، على أهمية الوقاية.
وفي كلمتها لفتت الدكتورة معلا مجيد الانتباه إلى أن “الاستثمار في أنظمة وطنية متكاملة لحماية الأطفال، يمكننا من ضمان تدابير وقائية استباقية فعالة”.
وقالت إن التعاون القوي والتنسيق الوثيق مع زميلتها فيرجينيا غامبا وجميع وكالات وبرامج الأمم المتحدة، بما في ذلك في السياقات الإنسانية، “أمر أساسي”.
وسردت الممثلة الخاصة المعنية بالعنف ضد الأطفال بعض الأفكار والتدابير الوقائية الملموسة:
أولا: من الأهمية بمكان فهم وتحديد هوية هؤلاء الأطفال وأين يعيشون.
وهذا يعني، على حد قولها، ضمان الاكتشاف المبكر للأطفال ومقدمي الرعاية الأكثر ضعفاً، من خلال: نظام إدارة المعلومات المركزي داخل البلد لتتبع العدد الدقيق للأطفال في المواقف الضعيفة ؛
ثانيا: من الأهمية بمكان ضمان توفير وصول سهل للمساعدات الإنسانية والدعم لجميع الأطفال مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر ضعفا.
وأوضحت مجيد أن هناك حاجة إلى برامج إنسانية مستدامة ومتعددة القطاعات للحد من عوامل الخطر ودعم عوامل الحماية التي يمكن أن تجعل الأطفال والأسر ومجتمعاتهم أكثر مرونة في مواجهة الآثار السلبية للنزاع.
ثالثا: النزوح القسري بسبب النزاعات يزيد من مخاطر الاختطاف والاتجار وفقدان الأطفال.
وقالت إن تعزيز التعاون عبر الحدود أمر بالغ الأهمية لمنع هذه الجرائم. وهذا يعني: ضمان إدارة الحدود الصديقة للطفل، والتبادل السريع للمعلومات والتسجيل المناسب، وإحالة وتتبع الأطفال غير المصحوبين بذويهم أو المنفصلين عن ذويهم ووضع أنظمة بيانات عبر الحدود مطورة مسبقا يمكن إعادة تنشيطها في حالات الأزمات.
رابعا: يجب أن تكون جميع الإجراءات المتخذة لمعالجة حماية الطفل مستنيرة وتشكل من خلال تجارب الأطفال، لأنهم يعرفون بشكل أفضل الأماكن التي فشلت فيها الأنظمة أكثر من غيرهم.
وقالت إن الأطفال المتأثرين بالنزاع يتخذون بالفعل إجراءات لتوفير دعم الأقران، وتعزيز السلام والمصالحة، ومنع التطرف.
وعلى سبيل المثال نوهت الدكتورة مجيد بالفتيات من سوريا وأوكرانيا، اللواتي شاركن قصصهن مع العالم من أجل تعزيز السلام.
وأشارت أيضا إلى أن الفتيات في أفغانستان روجّن للسلام من خلال الفن والكتابة. أما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فقد شارك القادة الشباب بنشاط في بناء السلام.
وتحدثت أيضا الشابة ديفينا، 18 عاما من الكاميرون، الحائزة على جائزة في مجال بناء السلام مع التركيز على الوقاية وحقوق الأطفال والقضايا المتعلقة بنوع الجنس.
ديفينا بدأت رحلتها كناشطة من أجل السلام في سن 14 عاما من خلال إنشاء منظمة مكونة من 100 طفل في ذلك الوقت لصناعة التغيير والتعبئة، ومنذ ذلك الحين ينخرط حوالي 5000 طفل على الأقل في أعمال بناء السلام سنويا.
في عام 2015، أنشأت ديفينا منظمة “أطفال من أجل السلام”، وهي حركة تقودها الفتيات تعمل في جميع أنحاء الكاميرون وبعض البلدان الأفريقية.
تعتمد استراتيجية “الأطفال من أجل السلام” على الفن، وبناء القدرات، وتفعيل نوادي السلام بين الجنسين، والتوجيه، والمناصرة، ورفع الوعي، والتواصل، والأفلام الوثائقية، والمساعدة النفسية، وتصميم البرمجيات.
وقد نفذت هذه الحركة العديد من المشاريع، من بينها، مشروع رائد تحت عنوان “إسكات البنادق” أطلق في عام 2019.
لتعزيز الوقاية ضمن جدول أعمال الأطفال والنزاع المسلح والاستفادة الكاملة من الأدوات الموجودة لمنع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في حالات النزاع المسلح، ركزت ديفينا على توصية محددة قريبة من جهود منظمتها، ألا وهي “منظور الأطفال حول السلام.”
من أجل دمج وجهات نظر الأطفال حول السلام بشكل أفضل وتطوير حلول مستدامة، دعت ديفينا الدول إلى أن تشجع مشاركة الأطفال والشباب من مختلف الهويات في عملية السلام المشتركة منذ البداية لفهم سياقهم وواقعهم بشكل أفضل، وفي نهاية المطاف، تصميم برامج شاملة أكثر صلة وفعالية.
وقالت إن التعليم يعد أمرا أساسيا لتضمين وجهات نظر الأطفال بشكل أفضل في عملية صنع القرار. “وهذا يعني الاستثمار في التعليم الذي يشمل التفكير النقدي والوساطة والتواصل والعمل مع الآخرين”، على حد تعبيرها.
كما دعت ديفينا الدول إلى تعزيز المساءلة أمام الأطفال من خلال بناء أوجه التآزر بين اتفاقية حقوق الطفل والهيئات الأخرى ومجلس حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة وجدول أعمال الشباب.
وحثت الدول أيضا على أن تأخذ في الاعتبار التجارب المتنوعة للأطفال في النزاع- والتي يمكن أن تختلف اعتمادا على عوامل مثل الجنس والعرق والقدرات والتوجه الجنسي والعمر والخلفية الاجتماعية والاقتصادية وأشكال الاستبعاد والتهميش الأخرى- عند تطوير قانون وسياسة وممارسة.