الأسلحة النووية باتت محظورة الآن.. ونزعها هو المهمة القادمة
أصيب العالم بالرعب من الأهوال المفجعة التي ألحقتها الغازات السامة بالجنود في الحرب العالمية الأولى، فحُظرت الأسلحة الكيميائية بعد 7 أعوام فقط من وضع هذه الحرب العظمى أوزارها.
لكن النزاع العالمي التالي أطلق العنان لأسلحة أكثر عشوائية وأكثر تجردا من الإنسانية. فقد دمّر انفجاران نوويان مدينتين يابانيتين، فبدتا كما لو أنهما “مُحيتا من الوجود بفعل قوة خارقة للطبيعة”، بحسب تعبير الدكتور مارسيل جونو، أحد أطباء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في شهادته التي كتبها في أعقاب زيارته لمدينة هيروشيما آنذاك.
وخلص الدكتور جونو سريعا إلى ضرورة حظر الأسلحة النووية تماما، مثلما حُظرت الغازات السامة بعد الحرب العالمية الأولى، وكتب في شهادته “لا سبيل لإنقاذ العالم من الدمار إلا بصياغة سياسة عالمية موحدة”. فبحلول عام 1950، توفي 340 ألف إنسان تقريبا من آثار هاتين القنبلتين.
بذلنا أكثر من 75 عاما -أي ما يقرب من نصف عمر اللجنة الدولية البالغ 158 عاما- في الدعوة إلى القضاء على الأسلحة النووية، لسبب بسيط: أننا لا نعتقد إمكانية استخدامها دون أن تخلف خسائر ضخمة في الأنفس وتسبب معاناة هائلة للمدنيين.
لكل ما سبق، يشكل 22 يناير/كانون الثاني 2021 يوما فارقا بالنسبة لنا، فهو اليوم الذي تدخل فيه معاهدة حظر الأسلحة النووية حيّز النفاذ.
أقل ما يوصف به هذا اليوم هو أنه انتصار للإنسانية، فبعد أن مرّت 75 عاما على أبشع فظائع الحرب التي جلبها إسقاط قنبلتين نوويتين على سكان هيروشيما وناغازاكي، جاءت أحدث معاهدة عالمية متعددة الأطراف لتحظر الأسلحة النووية.
فهي تحظر استخدام هذه الأسلحة والتهديد باستخدامها وتطويرها وإنتاجها وتجريبها وتكديسها، وتصبغ التحريم القاطع لاستخدام الأسلحة النووية بصبغة قانونية، وتشكل بذلك رادعا إضافيا لانتشارها.
معاهدة حظر الأسلحة النووية كذلك هي أول صكّ من صكوك القانون الدولي يرمي إلى تخفيف العواقب الإنسانية الكارثية للأسلحة النووية، إذ تحمل الدول التي أجريت تفجيرات نووية على أراضيها مسؤولية تقديم الرعاية الطبية للضحايا المشمولين بولايتها.
كما يتضح، فإن ما لا تستطيعه المعاهدة هو القضاء على ترسانة العالم النووية الحالية بضربة سحرية. فمن قبيل السذاجة أن نتوقع من المعاهدة إخلاء العالم من الأسلحة النووية غدا، بل لا بد أن ننظر إلى المعاهدة الجديدة باعتبارها نقطة انطلاق أخلاقية وقانونية لجهود طويلة الأمد من أجل نزع السلاح النووي.
وما من سبيل أمامنا الآن سوى العمل لتوسيع نطاق الالتزام بالمحظورات المنصوص عليها في المعاهدة قدر ما يمكن.
تمتلك الدول النووية التسع أكثر من 13 ألف قنبلة نووية، وليست نظم القيادة والسيطرة في كل منها بمنأى عن الخطأ البشري والهجمات السيبرانية.
وقوة العديد من هذه الرؤوس الحربية أشد بكثير من القنبلتين اللتين أُسقطتا عام 1945، وتسببتا في مقتل أكثر من 100 ألف إنسان، من بينهم 1924 فردا من قوة الأطباء وأطقم التمريض في هيروشيما التي كانت تبلغ 2080 فردا آنذاك، وهذا هو الواقع الذي نواجهه.
ورغم أن فظائع التفجيرات النووية تبدو جزءا من تاريخ بعيد، فإن مخاطر شديدة تحدق بعالمنا اليوم. ففي الوقت الذي نشهد فيه عزوفا عن المعاهدات المعنية بالحد من ترسانات الأسلحة، يجرى إنتاج أنواع جديدة من الأسلحة النووية، فتشيع في الأجواء تهديدات خطيرة. وما هذا إلا سباق تسلح مخيف.
تشكل المعاهدة -من خلال تحديد مسارات للقضاء على الأسلحة النووية- خطوة ملموسة في سبيل الوفاء بالالتزامات القائمة منذ زمن طويل بشأن نزع هذه الأسلحة، ولا سيما تلك المنصوص عليها في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تمسّ الحاجة إلى إحراز تقدم حقيقي فيما تفرضه من التزامات بنزع الأسلحة النووية، حفاظا على مصداقيتها.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: الطريقة الوحيدة لإزالة المخاطر النووية تتمثل في نزع الأسلحة النووية