الأردن: قمع متزايد للصحفيين
(عمّان) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات الأردنية استخدمت أمرا كاسحا لمنع النشر إضافة إلى المضايقات والاعتقالات لتقييد التغطية الإعلامية للاحتجاجات المستمرة الناجمة عن الإغلاق التعسفي لـ”نقابة المعلمين الأردنيين” في 25 يوليو/تموز 2020. ضربت الشرطة صحفيَيْن كانا يغطيان الاحتجاجات. القيود المفروضة على التغطية الإعلامية لاحتجاجات المعلمين تعكس تدهورا أوسع في حرية الصحافة في السنوات الأخيرة.
قال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “استغلال الأردن الخبيث للتدابير التعسفية مثل أوامر منع النشر والاعتقالات لإسكات الصحفيين، ليس سوى أحدث حلقة في سلسلة القيود المفروضة على حرية الصحافة في البلاد. لن يحلّ الأردن مشاكله الاقتصادية والسياسية الكثيرة عبر قمع الصحفيين والحد من حرية التعبير”.
في أغسطس/آب، قابلت هيومن رايتس ووتش ثمانية صحفيين أردنيين وأجانب يعملون في الأردن. قال الجميع إنهم تعرضوا خلال السنوات القليلة الماضية لقيود متزايدة على تغطيتهم الصحفية في شكل أوامر حظر النشر، ومضايقات من قبل قوات الأمن، ووقف التصاريح الإعلامية. مؤخرا، وبعد إغلاق نقابة المعلمين الأردنيين في 25 يوليو/تموز، أصدر النائب العام على الفور أمر منع النشر، وحَظَر نشر أو مناقشة التفاصيل المتعلقة بالقضية.
بينما لا تزال قانونية مثل هذا الأمر غير واضحة، أصدرت “محكمة صلح جزاء عمّان” في 9 أغسطس/آب أمر منع نشر في قضية إغلاق النقابة. بموجب “قانون المطبوعات والنشر” الأردني، يمكن للقضاة حظر “نشر كل ما يتعلق بأي مرحلة من مراحل التحقيق حول أي قضية أو جريمة”. يبدو أن أمر منع النشر في هذه القضية، وغيرها في الأشهر الأخيرة، يمتد إلى ما هو أبعد من تفاصيل التحقيق.
أوقفت السلطات صحفيَيْن على الأقل بسبب تغطيتهما لاحتجاجات المعلمين المستمرة، وتعرض اثنان للضرب على أيدي قوات الأمن أثناء محاولتهما تغطية الاحتجاجات. تم توقيف ليث الجنيدي، صحفي ومصوّر لدى “وكالة الأناضول” التركية ولديه خبرة لأكثر من 10 سنوات، في 9 أغسطس/آب أثناء تغطيته لاحتجاجات المعلمين في إربد، مدينة في شمال الأردن.
قال مصدر مُطلع لـ هيومن رايتس ووتش إن الجنيدي كان يقف جانبا عندما اندلعت اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين. قال المصدر إن أربعة رجال في ثياب مدنية اقتربوا منه قائلين إنهم من “الأمن الوقائي”، وهي إدارة تتبع لـ”مديرية الأمن العام” الأردني، وسألوه عما يصوّره.
أظهر الجنيدي على الفور هويته الصحفية، لكن أحد الرجال انتزعها من يده، وبدأ الرجال بضربه بأيديهم وبأصفاد بلاستيكية. شارك المصدر مقطع فيديو للجنيدي وهو يُسحب من قبل الشرطة. وضعوه في سيارة للشرطة مع 13 آخرين اعتُقلوا في المظاهرة. أُطلِق سراحه بعد ساعات قليلة بعد تدخل السفارة التركية.
في 29 يوليو/تموز، أفادت وكالة “أسوشيتد برس” أن الشرطة هاجمت، عمر العكور، مصور صحفي لدى الوكالة، خلال مظاهرة في عمّان في وقت سابق من ذلك اليوم. قال التقرير إن الشرطة هاجمته حتى بعد أن عرّف عن نفسه بأنه صحفي: “سقط العكور على الأرض بعد أن ضُرب، حيث ركله شرطي آخر. حطمت الشرطة هاتفه الخلوي، متلفة بذلك المقاطع التي صورها للاشتباكات”.
في 27 يوليو/تموز، استُدعي باسل عكور، رئيس تحرير “Jo24″، وهو موقع إخباري محلي، من قبل “وحدة الجرائم الإلكترونية” التابعة لـ”إدارة البحث الجنائي”. قال إن الشرطة أخذته فيما بعد إلى النائب العام، الذي سأله عن منشورين على “فيسبوك” ومقالات من Jo24 وأخبره أنه خالف أمر منع النشر. نفى عكور ذلك، مشيرا إلى أن تحقيقه لم يكن حول الإغلاق، بل رد الفعل عليه. أُطلِق سراح عكور بعد بضع ساعات.
أمر منع النشر المتعلق بنقابة المعلمين ليس سوى أحدث إجراء لتخويف الصحفيين وتقييد وصولهم وقدرتهم على التغطية الإعلامية.
قال خمسة صحفيين على الأقل إن “دائرة المخابرات العامة” اتصلت بهم بانتظام بشأن عملهم الصحفي. قالوا إن عناصر المخابرات اتصلوا بهم وسألوا عن سبب كتابتهم لتقارير حول قضايا معينة أو حذّروهم من الكتابة عن قضية معينة.
قال ثلاثة مراسلين يعملون في وكالات أنباء بارزة إنهم يتلقون كل يوم تقريبا تعليمات من المخابرات أو وكالاتهم بعدم الكتابة عن قضية ما أو تغطيتها.
قال صحفي أجنبي لديه 15 عاما من الخبرة في الأردن: “أتعرض للمراقبة والملاحقة بشكل واضح عندما أتحدث مع الأشخاص، ولم يحدث ذلك من قبل. وصل الأمر إلى حد أنه في معظم الاجتماعات التي أجريها، هناك دائما شخص ما يراقبني، متظاهرا بقراءة كتاب مقلوب، أو يختار لنفسه زاوية حيث يتمكن من سماعي”.
أحمد الزعبي، مراسل أردني كان يكتب لـ”صحيفة الرأي”، قال إن الصحيفة لم تسمح له بكتابة مقالات منذ سبتمبر/أيلول 2019 بسبب “آرائه السياسية وأفكاره الإصلاحية”. قال الزعبي إنه في أوائل شهر يوليو/تموز، استُدعي إلى محكمة بموجب “قانون الجرائم الإلكترونية” سيئ السمعة بسبب منشور على فيسبوك بشأن الفساد في الأردن.
في حالات أخرى، أوقفت السلطات الأردنية الإذن أو التصاريح عن الصحفيين للعمل أو حضور الفعاليات والكتابة عنها. قالت صحفية إن السلطات رفضت السماح لها بحضور وتقديم تقرير عن “المنتدى الاقتصادي العالمي” في الأردن. كان على الصحفية اللجوء إلى اتصالات رفيعة المستوى للحصول على الإذن.
قال صحفيان إنهما مطالبان الآن بالحصول على تصريح ثان بالإضافة إلى اعتمادهما ليتمكنا من تغطية الاحتجاجات. قال أحد الصحفيين إنه رغم استيفائهم لجميع متطلبات هذا التصريح، فقد تم حجبه عنهم.
قالت رنا حسيني، صحفية وناشطة في مجال حقوق المرأة: “هذه خطوات استباقية. لا يمكننا قول أي شيء. أمارس الرقابة الذاتية قبل أن أكتب 100 مرة. عليهم السماح بمزيد من حرية الصحافة. لا يمكننا التحدث، لا يمكننا معالجة القضايا التي تهم الناس. يجب أن يسمحوا لنا العمل بحرية – وإلا سيبدو كل شيء وكأنه يخرج من فم الحكومة”.
القانون الدولي لحقوق الإنسان يعترف بحرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان، وهو حق أساسي لكرامة الإنسان. بموجب المادة 19 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي انضم إليه الأردن عام 1975، يحق للجميع التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين.
بينما يسمح العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بفرض قيود على حرية التعبير لحماية الآخرين، هذه القيود محددة بدقة في ظل ظروف صارمة، بما في ذلك أنه يجب أن تكون متناسبة وضرورية لتحقيق هدف معين كما هو مبيّن في المادة 19.
تُعَدّ “مديرية المخابرات العامة” وقوات الدرك وإدارة البحث الجنائي من الأجهزة الرئيسية التي تبيّن أنها ضالعة في الانتهاكات ضد الصحفيين في الأردن التي وثقتها هيومن رايتس ووتش. تعمل قوات الدرك وإدارة البحث الجنائي تحت مظلة وزارة الداخلية التي يرأسها سلامة حمد.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على وزير الداخلية إصدار تعليمات لهذه الأجهزة بوقف كل مضايقات وترهيب الصحفيين والسماح لهم بالعمل بحرية. على وزارة العدل ومكتب النائب العام التأكد من أن أوامر حظر النشر تقتصر بوضوح على محتوى التحقيقات وعدم استخدامها لمنع النقاش العام حول القضايا الحساسة.
قال بَيْج: “تقلص المساحة أمام الصحفيين للعمل في الأردن يعكس انزلاق البلاد نحو القمع. على الحكومة أن تتصرف بحزم لمحاسبة المسؤولين عن مضايقة وترهيب الصحفيين”.