مقررة أممية في ندوة للأورومتوسطي: النظام القانوني الدولي يحتاج فلسطين أكثر مما تحتاجه
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنه قام بتنظّيم ندوة استضاف حول الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة فيما يتعلق بشرعية الاحتلال الإسرائيلي.
حيث استضاف المرصد خبراء قانونيين بارزين لمناقشة مشروع قرار الأمم المتحدة رقم (L12). ودارت الندوة بما يخص طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية في وحرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير.
وأبرز الخبراء خلال الندوة التي جاءت بعنوان “أوروبا وحقوق الفلسطينيين: هل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية مهم؟” الجوانب القانونية للقرار. إلى جانب استعراض أهميته والانعكاسات المحتملة لإقراره على أرض الواقع.
وسلّط الخبراء الضوء على تداعيات امتناع معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن التصويت أو تصويتهم ضد مشروع القرار، ولفتوا إلى أهمية دعم الاتحاد الأوروبي التصويت على القرار النهائي في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ووصفت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة “فرانشيسكا ألبانيز” القرار أنّه غير مسبوق لأنّه تطرّق إلى “الحق الأساسي” للفلسطينيين، وهو الحق في تقرير المصير.
وقالت “ألبانيز“: “بدون هذا الحق لا يمكن أن يكون هناك أي معنى لأي حق آخر”. وأوضحت أنّه “يمكننا مناقشة تطبيق الحقوق الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية، ولكن لا يمكن تطبيق أي من هذه الحقوق بالكامل دون تطبيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره”.
وأكّدت أنّ طلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سيكون فرصة للتصدي لـ”البنية الشاملة لوجود الاحتلال العسكري الإسرائيلي”. وكذلك “الوجود الاستعماري في الأراضي الفلسطينية”.
وأشارت إلى “الإجماع القوي بين المفكرين والمحامين الدوليين والمجتمع المدني على أنّ الاحتلال الإسرائيلي تجاوز الحد المسموح به بموجب القانون الدولي”.
وحثّت المقررة الأممية الخاصة محكمة العدل الدولية على إبراز موقفها بشأن “تبعات منع تطبيق الحق في تقرير المصير، والعواقب القانونية لذلك ليس فقط على إسرائيل، بل على المجتمع الدولي أيضًا”.
وانتقدت “ألبانيز” الدول التي توفّر الحصانة لإسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، مبيّنة أنّ الوضع الحالي سيكون مختلفًا لولا “سياسة الإفلات من العقاب التي منحها المجتمع الدولي لإسرائيل”.
وذكرت أنّ “النظام القانوني الدولي يحتاج إلى فلسطين أكثر من حاجة فلسطين إليه في كثير من النواحي”، واصفة التقاعس عن اتخاذ أي إجراءات بحق إسرائيل حتى الآن بأنه “شذوذ صارخ من حيث المبادئ والامتثال”.
وشدّدت على أنّه “إذا لم يكن المجتمع الدولي قادرًا على [توفير الدعم للفلسطينيين]، فإنّ ذلك سيخلق استثناءً كبيرًا من شأنه أن يدعم التصور بأننا لسنا في عالم عادل ومتساوٍ … [وأنّ] الحقوق ليست للجميع، ولكن لمجموعة محددة فقط”.
بدوره، استعرض كبير الباحثين في كلية الحقوق بجامعة نوتنغهام “فيكتور قطان” التفاصيل الدقيقة للقرار الأممي ومواقف الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي منه.
إذ أوضح أنّ عدد دول الاتحاد التي صوتت لصالح القرار هذه المرة كان أعلى مقارنة بعام 2003 عندما امتنعت جميع دول الاتحاد الأوروبي عن التصويت لصالح قرار أممي بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول شرعية جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وقال “قطان” إنّ إحدى مزايا طرح هذا القرار – في حال وصوله إلى المحكمة –أنّه “يعيد فلسطين مجددا إلى مسرح السياسة الدولية بعد إهمالها لفترة طويلة. ويُذكّر أيضًا بشرعية النضال الفلسطيني”.
وأضاف أنّ القرار “طريقة ذكية” لمواجهة المجتمع الدولي، لا سيما في ضوء “رد فعل الاتحاد الأوروبي القوي جدًا” تجاه غزو روسيا وضمها للأراضي الأوكرانية.
وقال: “إذا كانت الدول -خاصة دول الغرب- تزعم التزامها بالقانون، وتؤكد وجود نظام عالمي قائم على القواعد وسيادة القانون الدولي، فسيبدو الأمر غريبًا إذا تجاهلت هذه الدول حكم الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة”.
من جانبه، أجرى مدير مشروع الشرق الأوسط الأوروبي ومقرّه بلجيكا “مارتن كونيكني” تحليلًا مفصلًا لمواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من القرار، ولا سيما التصويت “المخيب للآمال ولكن غير المفاجئ” لألمانيا ضد القرار، بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا.
ونبّه “كونيكني” إلى تنامي حالة الاستقطاب الداخلي حول هذه القضية في الاتحاد الأوروبي، واستخدام الحجج القديمة كذريعة للتصويت ضد القرار أو الامتناع عن التصويت لصالحه.
وذكر أنّ “الاتحاد الأوروبي زعم عام 2003 أنّ محكمة العدل الدولية ستقوض “جهود تحقيق السلام” بين أطراف النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني(…).
ورغم عدم وجود أي احتمال لإعادة إطلاق عملية السلام في الوقت الحالي، ما تزال تزال بعض دول [الاتحاد الأوروبي] تستخدم نفس الحجج القديمة العبثية لتبرير موقفها من القرار”.
وأوضح أنّ دول الاتحاد الأوروبي اعترضت بشكل مشترك على القرار لسببين، أحدهما إجرائي تمثّل في الادعاء بأنّه “لم يكن هناك سوى القليل من الوقت لمناقشة هذا الاقتراح”، والآخر غير منطقي وهو “الإشارة إلى المسجد الأقصى دون الإشارة إلى جبل الهيكل.
وشكّك “كونيكني” في رغبة الدول الحقيقية في “خلق فرص لإعادة بدء العملية السياسية” مشيرًا إلى أنّ “تهميش القانون الدولي والمؤسسات متعددة الأطراف على مدى العقود الماضية، كان (…) عاملًا رئيسًا في فشل عملية السلام”.
وقال: “حتى لو كنت تدعم إسرائيل بالكامل ولا تتعاطف مع الفلسطينيين، فلماذا لا تدعم رأيًا لمحكمة العدل الدولية بموجب القانون الدولي الذي هو عالمي ومحايد؟”
وذكّر “كونيكني” بأنّ “المبدأ الأول للقانون الدولي هو حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة (…) وهو المبدأ الرئيس في القرار المتعلق بأوكرانيا، والذي تم التصويت عليه قبل شهر، حيث أظهر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية حماسًا كبيرًا لزيادة الدعم العالمي للقرار الذي كان صائبًا”.
وقال: “بعد شهر واحد بالضبط، تم تقويض نفس المبدأ في صراع آخر، مما يزعزع المصداقية الغربية في محاولة إقناع دول الجنوب العالمي بدعم دول الغرب بموجب القانون الدولي عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا”.
وسلط “كونيكني” الضوء على قبول الاتحاد الأوروبي لتدخل محكمة العدل الدولية في قضايا أخرى، الأمر الذي يلزمها وضع فلسطين على قدم المساواة.
وأضاف أنّ “الأوروبيين يعارضون العنف بشدة وأنّ هذا هو أقل البدائل عنفًا وأكثرها قانونيةً. إذا لم نسلك هذا الطريق، فإننا نحفز العنف على الأرض”.
من جانبه، أكّد زميل سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “هيو لوفات“، أنه “يمكن للمرء أن يحكم على مزايا أو قيمة أي مبادرة بناءً على مستوى المعارضة الإسرائيلية، والمعارضة الإسرائيلية لهذا المشروع كانت شديدة للغاية، ما يشير إلى أهمية مثل هذه المبادرة”.
وقال إنّ هذا القرار “سيسحب البساط من تحت أقدام الاتحاد الأوروبي الذي يواصل التظاهر بأن لا شيء تغير منذ عملية السلام في التسعينيات”.
ولفت إلى أنّ “الطريقة التي تصرفت بها أوروبا في التصويت على مشروع القرار توضّح بدقة بعض المشكلات المتأصلة في سياسات الاتحاد الأوروبي”.
وركّز في حديثه بشكل خاص على محاولة الدول الأعضاء “إعطاء الأولوية للبحث عن الوحدة الأوروبية التي لم تعد موجودة”.
ونبه إلى أن انعدام الوحدة، والشلل الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي في القرارات المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، يكون أحيانًا “مبالغًا فيه وقد يُستخدم لتجنب اتخاذ قرارات صعبة”.
وقال “لوفات” إنّ الاتحاد الأوروبي حاصر نفسه داخل فكرة “عملية السلام في الشرق الأوسط”، إذ أعطى الأولوية للاستراتيجية الفاشلة بدلًا من السعي لتحقيق الهدف الواقعي الذي يجب أن يكون “إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وتحقيق المساواة في الحقوق”.
وحذّر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من معارضة القرار، قائلًا إنّ “كبح أو محاولة شل القانون الدولي وجعله رهينة لاعتبارات سياسية سيأتي بنتائج عكسية، إذ من شأنه أن يعزز التطرف الإسرائيلي، ويرسخ إفلات إسرائيل من العقاب”.
مضيفًا أن: “الاتحاد الأوروبي يمكنه على الأقل التوقف عن حماية إسرائيل من العواقب التي تترتب على أفعالها غير القانونية بموجب القانون الدولي”.