استهداف وسائل الإعلام في غزة انتهاك صارخ لحقوق الصحافة
حولت غارات جوية إسرائيلية برج الجلاء المكون من 12 طابقا في حي الرمال بمدينة غزة، إلى أثر من الماضي، وبات مجرد “كومة من الركام”، وصمت -إلى حين- أحد عناوين تصدير الحقيقة إلى العالم.
“الصحافة ليست في مأمن من الاستهداف الإسرائيلي”، هذا ما يثبته واقع الحال في غزة، التي تتعرض لليوم السادس على التوالي لحرب تطال كل شيء، حتى مقار وكالات أنباء عالمية ومكاتب شبكات تلفزة محلية عربية ودولية لم تسلم من القصف، أبرزها شبكة الجزيرة الإعلامية.
وحولت غارات جوية إسرائيلية برج الجلاء المكون من 12 طابقا في حي الرمال بمدينة غزة، ويضم مكتب شبكة الجزيرة ووكالة “أسوشيتد برس” (Associated Press) الأميركية وعددا من المكاتب الصحفية الأخرى، إلى أثر من الماضي، وبات مجرد “كومة من الركام”، وصمت -إلى حين- أحد عناوين تصدير الحقيقة إلى العالم.
“سامي أبو سالم”، صحفي فلسطيني يعمل لصالح وسائل إعلام أجنبية، كان على موعد وقت استهداف برج الجلاء ليطل مباشرة على شاشة قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية، يقول “الاحتلال دمر البرج ومنعني من نقل رسالة الحقيقة”.
ويرى “أبو سالم” أن الاستهداف الإسرائيلي للأبراج المرتفعة في غزة، التي تتخذ منها وسائل الإعلام مقارا لنقل صورة أوضح عما يدور على الأرض، إنما هو سعي من الاحتلال لإخفاء الحقيقة، وقال “إسرائيل هي عدو الحقيقة”.
وأكد أن استمرار استهداف الأبراج والإطاحة بها سيحد بشكل قوي من خروج صورة واضحة تظهر ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في غزة، كون هذه الأبراج تضم مكاتب كبريات وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وشركات مزودة لخدمات الإنترنت، التي تمثل هذه الأبراج أماكن مناسبة لها من ناحية جغرافية وتقنية لمباشرة عملها على وجه أفضل.
ولا يخفي “أبو سالم” خشيته من تصعيد إسرائيلي خطير تخطط لتنفيذه وتمهد الطريق له باستهداف الصحفيين في الميدان، وتدمير المقار والمكاتب الصحفية والإعلامية، كي تمنع خروج الصورة للعالم.
ولتحقيق هذه الغاية، تمنع إسرائيل منذ اندلاع الحرب دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، الأمر الذي يجعل أبو سالم وصحفيي غزة يرتابون من قادم الأيام.
وتسبب تدمير برج الجلاء، الذي لحق بـ3 أبراج أخرى دُمِّرت خلال الحرب المستعرة حاليا، في انقطاع خدمات الإنترنت عن قطاع كبير من المكاتب الصحفية والمنازل السكنية.
ويقول أبو سالم إنه كان يلجأ وصحفيون آخرون إلى أصدقاء في البرج للعمل من مكاتبهم، التي تتوفر بها خدمات الكهرباء والإنترنت على مدار الساعة، كونها مزودة بمولدات في ظل أزمة كهرباء خانقة في القطاع، وبتدمير البرج تكون إسرائيل قد سلبتهم أحد خيارات وأدوات العمل المهمة.
ويشاطر رئيس المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية، فتحي صبّاح، أبو سالم الخشية ذاتها، ويقول للجزيرة نت إن هذا الاستهداف وفرض طوق محكم على غزة ومنع دخول الصحفيين الأجانب، يؤشر إلى احتمالية تصعيد خطير تحضر له إسرائيل، وتريد أن “تستفرد” بغزة بعيدا عن “عيون الكاميرات” التي ترصد جرائمها.
وأضاف صبّاح أن مساعي إسرائيل لـ”اغتيال الحقيقة”، والحد من قدرة الصحافة على نقلها، لم تتوقف يوما؛ لكنه يبدي ثقة كبيرة بقدرة الصحفيين على مواصلة رسالتهم السامية، وبرأيه فإن الاعتداءات التي يتعرضون لها باستهدافهم جسديا في الميدان، وتدمير مكاتبهم قد تعطل نقل الحقيقة؛ لكن لن تمنعها.
وضرب صبّاح مثالا بقناة الجزيرة، حيث كان يتابع مجريات الأحداث عبرها بينما كان يتحدث إلينا هاتفيا، وقال “في هذه اللحظات ورغم تدمير مقرها في غزة قبل قليل ما تزال الجزيرة تعمل بكامل طاقتها، وتقسّم شاشتها إلى 6 مقاطع، وتنقل التطورات من كل الأماكن بما فيها غزة”.
وإزاء خطورة ما تتعرض له غزة على مدار الأيام الستة الماضية، بما في ذلك نزع إسرائيل الحصانة عن الصحفيين ووسائل الإعلام، ووضعهم في “دائرة الاستهداف”، يرى صبّاح أن “الصمت في هذه الحالة جريمة”.
وقال إن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل الغطاء لقتل من تشاء وتدمير ما تشاء، بمنعها انعقاد جلسات لمجلس الأمن الدولي لبحث ما يدور في غزة والأراضي الفلسطينية، واكتفت بالمطالبة بـ”خفض مستوى العنف”، وليس مطالبة المعتدي وهو إسرائيل بوقف عدوانه.
والمطلوب برأي أبو سالم ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل للسماح بدخول الصحفيين الأجانب لغزة، ومقاطعة الرواية الإسرائيلية، والتحرك القانوني على الساحة الدولية لملاحقة مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين والمدنيين الفلسطينيين.
ووصف رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، المحامي صلاح عبد العاطي، استهداف الصحفيين والمكاتب الإعلامية بـ”جريمة حرب” تتنافى واتفاقيات لاهاي وجنيف وقوانين حماية الصحفيين.
وقال إن الاحتلال يتعمد في محاولة واضحة وفاضحة إخفاء جرائمه عبر منع أو خفض التغطية الإعلامية الصادقة، التي تضرب الرواية الكاذبة التي تصدرها إسرائيل للعالم.
ويؤمن “عبد العاطي” بأن الوقت حان من أجل مساءلة إسرائيل ومطاردتها دوليا، وطردها من عضوية الاتحاد الدولي للصحفيين، وضرورة الضغط على الأطراف السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف لتوفير حماية دولية للصحفيين والمدنيين الفلسطينيين.
اقرأ أيضاً: جرائم مروعة تستبيح تدمير المنازل على رؤوس 19 عائلة في غزة