إغلاق مكاتب إعلامية بشكل غير قانوني في إقليم كردستان العراق
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” أمس إن السلطات الكردية أغلقت بشكل غير قانوني مكتبين لشبكة “إن آر تي” الإعلامية الخاصة منذ أكثر من شهر، على ما يبدو بسبب تغطية الاحتجاجات وبث فقرات تنتقد الحزب الحاكم.
لم يكن لدى السلطات الكردية أمر قضائي وفرضت الإغلاق فقط في أربيل ودهوك، وهما المنطقتان الخاضعتان لسيطرة “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، ما أثار مخاوف من كون الإغلاق له دوافع سياسية.
قالت بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “لو كانت إن آر تي قد خالفت القانون، فمن المؤكد أن السلطات كانت ستتخذ الإجراءات المناسبة لملاحقتها، لكن مسؤولي الحزب اختاروا بدل ذلك اتخاذ إجراءات خارج نطاق القانون”.
تعكس المضايقات التي تتعرض لها إن آر تي ومراسلوها نمطا من هجمات حكومة الإقليم على وسائل الإعلام. في يونيو/حزيران، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا عن مجموعة الأحكام القانونية المتعلقة بالتشهير والتحريض التي استخدمتها بغداد والسلطات الإقليمية الكردية ضد المنتقدين، بمن فيهم الصحفيون، والنشطاء، وأصوات معارضة أخرى.
وأشارت هيومن رايتس ووتش أنه في 11 أغسطس/آب 2020، وجه رئيس حزب “حركة الجيل الجديد” المعارض في إقليم كردستان شاسوار عبد الواحد قادر على إن آر تي، وهي وسيلة إعلامية خاصة يملكها قادر ولها محطات تلفزيونية وإذاعية وموقع إلكتروني، دعوة للاحتجاجات العامة للمطالبة بتحسين التعليم وفرص العمل وتدابير مكافحة الفساد.
وأشارت أيضا الى انه في 12 أغسطس/آب، أثارت دعوته احتجاجات في جميع أنحاء المنطقة استمرت لنحو أسبوع. كانت إن آر تي، التي تملك قناة ناطقة بالكردية وأخرى بالعربية، وسيلة الإعلام الوحيدة التي غطت الاحتجاجات بشكل مفصل.
وأضافت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه في 19 أغسطس/آب، قال مدير الأخبار في إن آر تي ريبوار عبد الرحمن وموظف آخر كان هناك لـ هيومن رايتس ووتش إن “الآسايش”، وهي قوات الأمن التابعة لحكومة الإقليم، داهموا مكتبهم في دهوك واحتجزوا الموظفين هناك لعدة ساعات، ثم أمروهم بالعودة إلى منازلهم، على ما يبدو ردا على تغطية الاحتجاج.
قال عبد الرحمن إن قوات الأمن لم تبرز أمرا من المحكمة، لكنها قالت إن لديها تعليمات من مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني بإغلاق المكاتب.
قال عبد الرحمن إن الآسايش أغلقوا أيضا مكاتبهم في أربيل في نفس اليوم، دون تقديم أي وثائق صادرة عن المحكمة. ظلت المكاتب مغلقة رغم أن القناة استمرت في البث، حيث لم تغلق السلطات مقرها في السليمانية.
وهذا يعني أن الفِرق العاملة في دهوك وأربيل لم تتمكن من البث من الميدان أو الظهور في البرامج التلفزيونية.
زعم ديندار زيباري، مسؤول التواصل مع المنظمات الدولية في حكومة إقليم كردستان العراق، في بيان لـ هيومن رايتس ووتش في 23 أغسطس/آب، أن إن آر تي وقادر “يهدفان باستمرار إلى استغلال وسائل الإعلام التي تتمتع بالحرية في [إقليم كردستان العراق] لأجندتهما السياسية… لحملات دعائية استفزازية وسط ظروف حرجة، مثل الحرب على الإرهاب وتفشي فيروس كورونا”.
وقال إن إن آر تي انتهكت المادة 2 من القانون رقم 12 (2010)، والذي قال إنه يجرم الوسيلة الإعلامية لتشجيع تكدير الأمن العام والإضرار بالانسجام الوطني.
وأوضح أن القانون يسمح لـ “وزارة الثقافة والشباب” بإغلاق الوسيلة الإعلامية لمدة 72 ساعة كعقوبة أولية، ثم أسبوع واحد إذا استمرت المخالفة، وأخيرا سحب ترخيصها.
قال زيباري إن المدعي العام دعا في هذه القضية إلى تعليق بث قناة إن آر تي لأنها “شجعت المواطنين على انتهاك الإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي الصادرة عن الحكومة” بناء على طلب من الوزارة.
وأكدت هيومن رايتس ووتش أنها لم تتمكن من تحديد القانون الذي كان زيباري يشير إليه، نظرا إلى أن القانون الذي استشهد به يتعلق بـ”وزارة البلديات والسياحة” في حكومة الإقليم.
قال زيباري إن وزارة الثقافة والشباب أصدرت عدة تحذيرات لقناة إن آر تي، كان آخرها في 3 يونيو/حزيران. ومع ذلك، قال المدير في وزارة الثقافة والشباب، شيروان عولا، في 8 سبتمبر/أيلول، إن وزارته لم تصدر أي تحذيرات.
في 9 سبتمبر/أيلول، اتهم زيباري قناة إن آر تي في منشور على فيسبوك بـ “تحريض الناس على الاحتجاج والتمرد على السلطة… إن آر تي تنتهك القوانين دائما من خلال إثارة الاحتجاجات وتكدير الأمن العام”، وقال إن القناة ستتهم بموجب “قانون العمل الصحفي” الصادر عن الحكومة الإقليمية.
قال أحد محامي إن آر تي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ هيومن رايتس ووتش في 17 سبتمبر/أيلول إن السلطات لم ترسل أي تحذيرات رسمية للمؤسسة ولم تستدعيها إلى المحكمة.
قال إن محاميا آخر ذهب إلى قصر العدل في أربيل للتأكد مما إذا كانت هناك أي دعاوى قانونية مرفوعة ضد المؤسسة، لكن سلطات المحكمة قالت إنه لم تكن هناك أي دعاوى.
أشار عبد الرحمن والمحامي إلى أن مقر إن آر تي في السليمانية لم يتم إغلاقه، ما يشير إلى أن إغلاق مكتبَي أربيل ودهوك كان قرارا سياسيا، حيث يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على هاتين المحافظتين، بينما لا تخضع السليمانية لسيطرته. ولو جاء الإغلاق بأمر من المحكمة لوجب تطبيقه في جميع أنحاء الإقليم، بما في ذلك السليمانية.
اتخذت السلطات تدابير أخرى لتخويف موظفي إن آر تي. في 19 أغسطس/آب، اعتقلت الآسايش مراسل إن آر تي في زاخو بموجب قانون تنظيم المظاهرات في إقليم كردستان العراق (11/2010)، الذي يحظر على الأشخاص المشاركة في الاحتجاجات التي لم يحصل منظموها على إذن مسبق من السلطات.
قال عبد الرحمن، مدير الأخبار، إنهم احتجزوه 11 يوما، ثم أطلقوا سراحه بكفالة ثم أسقطوا التهم، معترفين بأنه كان يغطي الاحتجاجات بصفته صحفي.
قال أيضا إنهم صادروا معدات فيديو لفريقين آخرين في عقرة، أحدهما أثناء مرور الفريق عبر نقطة تفتيش لتغطية غارة جوية تركية والآخر عند نقطة تفتيش خارج العمادية.
بينما يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان للحكومات بفرض قيود على وسائل الإعلام لأسباب تتعلق بالأمن القومي، فإن هذه القيود يجب أن ينص عليها التشريع وأن تكون ضرورية “في مجتمع ديمقراطي”.
جب أن يستجيب أي قيد لحاجة عامة ملحة وأن يكون متوافقا مع القيم الديمقراطية الأساسية للتعددية والتسامح. يجب أن تكون القيود أيضا متناسبة – أي متوازنة مع الحاجة المحددة للتقييد.
لا يجوز استخدام القيود لقمع أو حجب المعلومات ذات المصلحة العامة المشروعة التي لا تضر بالأمن القومي، أو لمقاضاة الصحفيين بسبب تغطية مثل هذه المعلومات.
لكي تفي الحكومة بهذه المسؤولية، يجب أن يكون الصحفيون قادرين على عرض جميع وجهات النظر، بما فيها تلك التي تعارض السلطات، دون خوف من الاعتقال.
ينبغي للسلطات السماح فورا لـ إن آر تي بإعادة فتح مكاتبها والامتناع عن أي أعمال ترهيب أخرى.
قالت والي: “لا يحق لحكومة كردستان إسكات تغطية المحتجين ومطالبهم. وبالتأكيد ليس لها الحق في إغلاق وسيلة إعلامية بأكملها، بشكل غير قانوني، لمجرد تغطية الاحتجاجات”.
اقرأ أيضاً: سكاي لاين: سلطات إقليم كردستان العراق تضيق على الإعلام المستقل