منظمة دولية: تجديد وقف إطلاق النار في اليمن يلوح بالأفق ولا بد من حماية المدنيين
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – بعد انتهاء وقف إطلاق النار في اليمن أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يتم نشر أخبار عن لقاء المسؤولين السعوديين مع المسؤولين الحوثيين، للبحث في احتمال تجديد الهدنة.
ونشرت هيومن رايتس ووتش على موقعها على الإنترنت خبر اللقاء مرحبةً بإيجابية محاولة التوصل لوقف إطلاق نار، أو هدنة مؤقتة بين الطرفين في البلاد واصفةً إياه بالأمر الإيجابي.
ولكن -وبحسب المنظمة الحقوقية- فإن تجديد هدنة لا يعالج الأذى الذي تسببت فيه الأطراف المتحاربة للمدنيين اليمنيين لن يكون مستداما دون محاسبة.
وصرحت ووتش أن المحادثات أتت بعد أسابيع من صدور تقارير بأن المسؤولين الإيرانيين قد يتوقفون عن إرسال الأسلحة إلى الحوثيين، وأن السعودية، التي تزعم أنها تشارك في النزاع نيابة عن الحكومة اليمنية المعزولة، تبحث عن مخرج.
دفع ذلك جهات فاعلة دولية – من ضمنها مبعوث “الأمم المتحدة” إلى اليمن – إلى التعبير عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى هدنة، أو حتى إنهاء الحرب رسميا.
يذكر أن غياب المدنيين اليمنيين عن هذه المحادثات يُظهر عجز اليمنيين عن تحديد ظروفهم الخاصة طوال النزاع.
يُظهر أيضا إرادة الجهات الفاعلة الدولية إنهاء الحرب دون مناقشة العدالة والمحاسبة على الأذى واسع الانتشار الذي عانى منه المدنيون.
يذكر أن الأطراف المتحاربة تسببت بنحو 20 ألف ضحية من المدنيين، وارتكبت انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، فإن ثلثا الشعب اليمني اليوم يحتاج إلى المساعدة الإنسانية. وقد شهد النزاع في اليمن مشاركة العديد من الجهات الفاعلة الأجنبية.
رغم عدم وضوح كامل نطاق وطبيعة علاقة إيران بالحوثيين، زوّدت إيران الحوثيين بكميات كبيرة من الأسلحة، بالإضافة إلى الدعم السياسي.
أصبحت السعودية والإمارات طرفَين النزاع في مارس/آذار 2015، وقادتا تحالفاً من دول المنطقة نفّذ ضربات جوية ضد الحوثيين.
تلقى التحالف دعماً كبيراً من دول غربية قوية على شكل مبيعات أسلحة، لا سيما من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا.
بين 2015 و2020، بلغت قيمة صفقات الأسلحة بين الولايات المتحدة والسعودية أكثر من 64.1 مليار دولار أمريكي، بينما باعت بريطانيا للسعودية أسلحة بقيمة 23 مليار دولار منذ بداية الحرب.
ساعدت الولايات المتحدة التحالف أيضاً عبر إعادة تزويد الطائرات بالوقود في الجو، والدعم التكتيكي، في حين قدمت بريطانيا التدريب لقوات التحالف.
نفّذت الولايات المتحدة ضربات جوية بمفردها ضد “تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية” في اليمن، ما يجعلها أيضا طرفا في النزاع.
تسببت الضربات الجوية التي شنها التحالف بمعظم الضحايا بين المدنيين خلال الحرب. دمرت وألحقت الضرر بالبنى التحتية المدنية، بما في ذلك المنازل، والمنشآت الطبية، والمدارس، والأسواق، والبنى التحتية ومصادر المياه والغذاء.
قد ترقى بعض الضربات الجوية التي نفّذها التحالف إلى جرائم حرب.
وثّقت “هيومن رايتس ووتش” وجماعات أخرى حالات تعذيب، وإخفاء قسري، واحتجاز تعسفي على يد قوات التحالف، لا سيما القوات السعودية والإماراتية، بالإضافة إلى القوات اليمنية المدعومة من الإمارات.
أطلق الحوثيون قذائف هاون وصواريخ على مناطق مكتظة بالسكان، في كل من اليمن والسعودية، ما تسبب بقتل وأصاب مدنيين، وهو أمر يشكل جريمة حرب أخرى محتملة.
زرعوا أيضا ألغاما أرضية في مناطق مدنية في جميع أنحاء البلاد – بما في ذلك الألغام المضادة للأشخاص المحظورة دوليا.
وضع “فريق الخبراء البارزين المعني باليمن” التابع للأمم المتحدة تقريرا تفصيليا عن استخدام الحوثيين للتعذيب على نطاق واسع.
الحوثيون والتحالف منعوا وعرقلوا وصول المساعدات الإنسانية. خلال الهدنة الأخيرة، رفض الحوثيون إعادة فتح طرقات تعز، المقطوعة منذ 2015، للسماح بإيصال مساعدات إنسانية ضرورية، رغم المقترح الذي قدمه المبعوث الأممي الخاص.
رغم حدة وتفشي الانتهاكات، لم تتم محاسبة أحد، ولم يُعوَّض للضحايا أو عائلاتهم. على العكس من ذلك، نجحت السعودية في الضغط على الدول الأعضاء في “مجلس حقوق الإنسان” في 2021 لعدم تمديد تحقيق فريق الخبراء البارزين – الآلية المستقلة الوحيدة للرصد ورفع التقارير التي كانت موجودة في السابق في اليمن.
منذ ذلك الحين تم تجاهل الدعوات إلى آلية تحقيق جديدة وأكثر قوة في مجلس حقوق الإنسان، بما في ذلك من جانب البلدان القوية التي تعقد صفقات أسلحة كبيرة مع السعودية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
أشارت بلدان أخرى إلى أن “اللجنة الوطنية للتحقيق” التابعة للحكومة اليمنية، وهي لجنة تحقيق محلية غير فعالة تفتقر إلى الاستقلالية، تتفادى فتح تحقيق تمس الحاجة إليه.
في هذه الأثناء، لم يتحقق أي شيء تقريبا من وعود الأطراف المتحاربة بالتعويض عن الضرر الذي ألحقوه بالمدنيين.
خلال فصل الخريف الفائت، بعد مرور خمسة أشهر من بدء هدنة الستة أشهر، وجهت 50 منظمة مجتمع مدني رسالة مشتركة تشير إلى أن، رغم الهدنة القائمة، أطراف النزاع “لم تحرز سوى تقدم ضئيل للغاية … بشأن التصدي للانتهاكات والتجاوزات المتواصلة واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. كما يبدو واضحا افتقارها للنية في جبر الأضرار التي ألحقتها بالمدنيين طوال فترة النزاع”.
دعت الرسالة المجتمع الدولي إلى “ألا يكتفي بالوقوف مكتوف الأيدي، وألا يسمح” للتصويت على حل مجموعة الرصد “أن يكون الكلمة الأخيرة بشأن جهود المساءلة الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب واسعة النطاق في اليمن”.
إذا أراد المجتمع الدولي إحلال السلام الدائم في اليمن، عليه أن يدعو إلى إنشاء آلية تحقيق فعالة ومحايدة ومستقلة. ويتعين علينا ضمان أن تحتوي أي هدنة في المستقبل على عملية عدالة انتقالية شاملة، تشمل المجتمع المدني، وتعويضات من الأطراف المتحاربة للضحايا.