إصلاحات قضائية في لبنان: خطوة أولى لكنها غير كافية لضمان الاستقلالية
أقرّ مجلس النواب اللبناني في 31 يوليو/تموز 2025 قانونًا جديدًا لتنظيم القضاء العدلي، بعد سنوات من الجدل والمطالبات الحقوقية. ورغم أن القانون يتضمن إصلاحات إيجابية في مجالات عدة مثل تعزيز استقلالية القضاة وتوسيع نطاق انتخابهم من قبل زملائهم، إلا أن منظمات حقوقية دولية ومحلية، وفي مقدمتها هيومن رايتس ووتش، أكدت أن هذه الخطوة لا تزال غير كافية لحماية القضاء اللبناني من التدخلات السياسية العميقة التي لطالما عطّلت عمله.
ويتضمن القانون الجديد بعض البنود الإيجابية، مثل منح القضاة الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وتوسيع دورهم في العمليات الانتخابية القضائية. كما يفرض القانون تدوير المناصب القضائية وعدم إبقاء القاضي في موقعه أكثر من خمس سنوات متواصلة، إلى جانب تعزيز الشفافية والرقابة الذاتية عبر مجلس القضاء الأعلى.
لكن برغم هذه الإصلاحات، ظلّت أبرز مكامن الخلل قائمة. فالقانون يمنح النائب العام التمييزي، وهو منصب تعيّنه الحكومة، صلاحية واسعة للتدخل في القضايا الجارية، بما في ذلك إصدار أوامر بوقف الإجراءات القانونية. وترى منظمات حقوقية أن هذه المادة تُبقي على قبضة السلطة التنفيذية على المسار القضائي.
قال رمزي قيس، الباحث في شؤون لبنان لدى هيومن رايتس ووتش: “القانون يخطو خطوات مهمة إلى الأمام، لكنه لم يغتنم الفرصة بالكامل لتجنيب القضاء اللبناني التدخل السياسي المستمر”.
من جهتها، اعتبرت المفكرة القانونية، التي قدمت منذ 2018 نسخة أصلية لمشروع القانون، أن البرلمان تجاهل العديد من التوصيات الجوهرية التي تتماشى مع المعايير الدولية. وأكد المدير التنفيذي للمفكرة نزار صاغية أن “النص الحالي يتضمن تطورات إيجابية، لكن الفجوات باقية، خصوصًا في ما يتعلق بتركيبة مجلس القضاء الأعلى وصلاحيات السلطة التنفيذية”.
أثار تمرير القانون في البرلمان جدلاً واسعًا بسبب ما وصفه نواب وصحفيون بخروقات إجرائية كبيرة. فقد أدخلت تعديلات في اللحظة الأخيرة لم يتسنَّ للنواب الاطلاع عليها قبل التصويت. وأشارت النائبة حليمة قعقور إلى أن التصويت لم يجرِ بشكل شفاف، قائلة: “لم نناقش القانون ولم نصوّت عليه بالشكل السليم… تمّت المناداة على بعض الأسماء ثم إعلان الموافقة”.
نادي قضاة لبنان أصدر بيانًا في 31 يوليو/تموز أكد فيه أن القانون “يكرّس الطائفية ويجدد التدخل السياسي في القضاء”، مشددًا على أن المجلس الأعلى للقضاء ما زال محرومًا من الاستقلالية الإدارية والمالية.
ويرى القضاة المعارضون أن البرلمان فوت فرصة تاريخية عبر عدم اعتماد التوصية الجوهرية للجنة البندقية الأوروبية، التي نصت على ضرورة انتخاب أغلبية أعضاء مجلس القضاء الأعلى من قبل القضاة أنفسهم، بدلًا من تعيينهم من قبل السلطة التنفيذية.
ورغم توقيع رئيس البرلمان نبيه بري على القانون وإحالته إلى الحكومة ورئيس الجمهورية للمصادقة، دعت هيومن رايتس ووتش والمنظمات اللبنانية إلى ضرورة تعديل النصوص بما ينسجم مع المعايير الدولية، لا سيما التوصيات الصادرة عن لجنة البندقية في 2022 و2024.
كما شددت المنظمات الحقوقية على ضرورة حصر اختصاص المحاكم العسكرية بالقضايا العسكرية البحتة، وإبعاد المدنيين تمامًا عن محاكماتها التي استُخدمت في السنوات الماضية لترهيب الناشطين والمعارضين السياسيين.
ويمثل إقرار قانون تنظيم القضاء العدلي خطوة أولى على طريق طويل لإصلاح القضاء في لبنان. لكنه، بحسب منظمات حقوقية وخبراء قانونيين، لا يزال عاجزًا عن معالجة الاختلالات الجوهرية التي تُبقي القضاء عرضة للتجاذبات السياسية والطائفية.
وفيما ينتظر أن يدخل القانون حيّز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2026، يبقى التحدي الأكبر أمام البرلمان والحكومة اللبنانية في إظهار جدية أكبر نحو استكمال الإصلاحات، وضمان أن يصبح القضاء مؤسسة مستقلة بالفعل، بعيدة عن ضغوط الساسة ومصالحهم.