إسكات الصحفيين: نقطة التقاء بين المغرب والجزائر
لمغرب والجزائر جاران وخصمان في الوقت نفسه، يتقاسمان حدودا برية مغلقة هي من الأطول في العالم، ويتنافسان على السيادة في المنطقة المغاربية، ويتنازعان على الصحراء الغربية، ويتبادلان الشتائم يوميا عبر وسائل الإعلام مقربة من السلطات. غير أن المتابعات القضائية الأخيرة للصحفيين أبرزت أنّ البلدين لطالما توافقا على شيء واحد. فالدستور الجزائري وقانون الصحافة المغربي لسنة 2016 ينصّان على أنّ جرائم الصحافة لا تستوجب عقوبات سجنية، لكنّ كلا الدولتين، رغم تظاهرهما باحترام حرية الصحافة، أقرتا بسجن صحفيين بارزين. أسلوب المغرب يتمثل في توجيه مجموعة من التهم الجنائية، بينما تفضل السلطات الجزائرية الاعتماد على تهم غامضة ينصّ عليها قانون العقوبات.
في 3 أغسطس/آب، حاكمت محكمة في الجزائر العاصمة خالد درارني، المسجون منذ مارس/آذار بتهمتَي “المساس بسلامة وحدة الوطن” و”الدعوة إلى التجمهر غير القانوني”. طالبت النيابة العمومية بسجنه أربع سنوات، ويُنتظر أن يصدر الحكم يوم 10 أغسطس/آب.
أما في الدار البيضاء، فقد سجنت السلطات عمر الراضي يوم 29 يوليو/تموز، بعد استجوابه 12 مرة طيلة أربعة أسابيع. ومن المقرر أن يمثل أمام قاضي التحقيق يوم 2 سبتمبر/أيلول بتهمة تهديد أمن الدولة الخارجي عبر ربط صلات مع عملاء أجانب، وتهديد أمن الدولة الداخلي عبر استلام أموال… بالإضافة إلى الاغتصاب.
يبدو أن درارني، الذي يعمل مراسلا لـ “تي في 5 موند” و”صحفيون بلا حدود” في الجزائر العاصمة، وأحد مؤسسي موقع “القصبة تريبون” (casbah-tribune.com)، أزعج السلطات بتغطيته لـ “الحراك” المستمر في الجزائر. نشر درارني مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للمظاهرات الأسبوعية العارمة المطالبة بالإصلاح السياسي، والتي أجبرت الرئيس عبد العزيز بو تفليقة على الاستقالة في ربيع العام الماضي. قال محاموه لـ هيومن رايتس ووتش إنّ توثيقه المستفيض والسلمي للحراك على “فيسبوك” و”تويتر”، حيث يتابعه أكثر من 140 ألف شخص، شكل الجزء الأكبر من الأدلة المستخدمة ضدّه.
دأبت السلطات المغربية على استهداف الراضي، الذي حقق في مواضيع ساخنة مثل الاستيلاء على الأراضي وفساد الدولة. في يونيو/حزيران، أفادت “منظمة العفو الدولية” أنّ هاتف الراضي اختُرق ببرمجية التجسس “بيغاسوس”، غير أن السلطات نفت تورطها في الأمر. وفي مارس/آذار، قضت محكمة بسجنه أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بسبب تغريدة نشرها منذ سنة وانتقد فيها قاضيا بسبب إصدار أحكام قاسية على نشطاء.
لكن مراكمة الاتهامات المتباينة، واقترانها بحملة تشهير صادرة عن وسائل إعلام تبدو مقربة من أجهزة الأمن المغربية، تجعل محاكمة الراضي وكأنها محاولة لإسكاته وتخويف الآخرين. ومع ذلك، يجب التعامل بجدية مع مزاعم الاغتصاب والتحقيق فيها بشكل كامل وعادل، خاصة وأنها جاءت في سياق قضية مسيّسة قد يتوصل فيها المراقبون إلى استنتاجات متسرّعة.
قد تتنافس السلطات الجزائرية والمغربية في مجالات عدة، لكنها حتما لا تختلف بشأن كره الصحافة المستقلة والانتقادات الجريئة.