أوروبا تبني وإسرائيل تهدم.. مذكرة للأورومتوسطي تثير غضبا أوروبيا

بروكسل- أثارت مذكرة غير معلنة وجهها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى كبار المسؤولين الأوروبيين بمن فيهم أعضاء في البرلمان الأوروبي، غضبا أوروبيا واسعا إزاء عمليات هدم إسرائيل بشكل ممنهج لبني تحتية ممولة أوروبيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأبرز المرصد الأورومتوسطي ومقره جنيف في المذكرة التي نقلت وكالة (أسوشـيـِتد پرس AP) العالمية للأنباء جانبا من تفاصيلها، التدمير الإسرائيلي المتصاعد والمتسارع للمشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي والذي تفاقم بموازاة التراجع الحاد في عدد المباني الممولة أوروبيا في المنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية.

وقال المرصد إنه وثق في عام 2019 رقما قياسيا بلغ 104 مبان فلسطينية هدمتها إسرائيل في القدس الشرقية وحدها، وهو ما يمثل زيادة مقارنة بالسنوات السابقة. كما هدمت إسرائيل أو استولت على 127 مبنى ممول من مانحين دوليين (بشكل رئيسي الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه) في القدس الشرقية والمنطقة المصنفة (ج)، وهو ما يشكل ضعف ما كان عليه في عام 2018.

وتجدر الإشارة إلى أن المرصد الأورومتوسطي اشتكى الشهر الماضي إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أن الحكومة الإسرائيلية تُخضع طاقمه ورئيسه رامي عبده، لإجراءات عقابية قاسية، بما في ذلك القيود على الحركة والعمليات وحملات التشهير.

وأثار الأورومتوسطي في المجلس الدولي أنه في السنوات الأخيرة، صعدت إسرائيل من التضييق على المنظمات غير الحكومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تنتقد ممارساتها وسياساتها.

وهدم الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي مدرسة فلسطينية للمرحلة الابتدائية في الضفة الغربية المحتلة أقيمت بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

وكانت المدرسة تستخدم في المجتمع الرعوي في منطقة (رأس التين) شرق رام الله لخدمة 50 طالبًا من الصف الأول إلى الصف السادس، وهي تعد الرابعة في قائمة المدارس التي هدمتها إسرائيل منذ بداية العام الحالي، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مقابل 52 مدرسة أخرى مهددة بالهدم.

وقال أنس جرجاوي المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المرصد الأورومتوسطي، إن طلبة المدرسة المهدمة سيضطرون الآن إلى المشي لمسافة 5 كيلومترات سيرًا على الأقدام للوصول إلى أقرب مدرسة في قرية المغير المجاورة.

وفي أواخر أيلول/سبتمبر، قدمت دول بلجيكا وإستونيا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا والنرويج مناقشة مشتركة بشأن الشرق الأوسط في الأمم المتحدة، حيث أكدت الدول الأوروبية مجددًا قلقها العميق بشأن أنشطة الاستيطان الإسرائيلية وهدم المباني الفلسطينية، مبرزة أن “الفترة من آذار/مارس إلى آب/أغسطس 2020 شهدت أعلى متوسط ​​معدل تدمير إسرائيلية في أربع سنوات”.

تصعيد رغم جائحة كورونا

أشارت مذكرة الأورومتوسطي إلى أنه على الرغم من جائحة فيروس كورونا المستجد والأزمة الاقتصادية المصاحبة له، صعدت الحكومة الإسرائيلية بشكل كبير من هدم المباني الفلسطينية.

وذكرت أن إسرائيل هدمت 89 منزلا في القدس الشرقية بين كانون ثاني/يناير وآب/أغسطس من العام الجاري، مقارنة مع 104 لعام 2019 بالكامل، و72 في عام 2018.

وعقب جرجاوي بالقول إن “إسرائيل هدمت 555 مبنى في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما أدى إلى إخلاء 747 شخصا قسرا، بينهم 382 طفلا”.

وأشارت المذكرة إلى أنه في الوقت نفسه في عام 2019 “تقلص عدد المشاريع الفلسطينية الممولة دوليًا (الأوروبية بشكل أساسي) إلى 12 فقط مقارنة بـ 75 في عام 2015.

وحذرت المذكرة من أن هذا “يشبه معاقبة الفلسطينيين على تدمير الحكومة الإسرائيلية للمشاريع والمباني الممولة أوروبيا بدلاً من الوقوف في وجه الحكومة الإسرائيلية لوقف عمليات الهدم”.

كما أشارت المذكرة إلى أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء عمدوا إلى إخفاء حجم الضرر الذي لحق بمشاريعهم الممولة في الأرض الفلسطينية المحتلة، مطالبة أعضاء البرلمان الأوروبي بالتحقيق في حوادث الهدم وتقديم تقرير علني حول هذه القضية.

وقد أثارت مذكرة المرصد الأورومتوسطي الغضب بين العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين انزعجوا من المعدل المتزايد لعمليات الهدم وسط أزمة جائحة كورونا.

على سبيل المثال، أقرت مارجريت أوكن نائبة رئيس وفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع فلسطين، تمامًا بنتائج المذكرة، وأعربت عن دعمها لتوصياتها، وتعهدت باستجواب المفوضية الأوروبية بشأن هذه القضية.

وأكد أعضاء آخرون في البرلمان الأوروبي على الحاجة إلى الوقوف في وجه هذه القضية المتزايدة الخطورة.

وأبرز المرصد الحقوقي الدولي أن سياسة الاتحاد الأوروبي ظلت تعمل من أجل الحفاظ على إبقاء فرص تطبيق رؤية حل الدولتين قائمة بدلاً من الدفع بفاعلية لتنفيذها. وشمل ذلك دعم وجود الفلسطينيين في القدس الشرقية والمنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية.

وتتجاوز تقديرات الضرر الذي ألحقته إسرائيل بالمباني الفلسطينية الممولة من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه في الأراضي المحتلة بين عامي 2001 إلى 2015 بنحو 65 مليون يورو.

وقال رئيس المرصد الأورومتوسطي رامي عبده إنه على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يحتفظ بموقف قوي من الأراضي الفلسطينية المحتلة – لا سيما فيما يتعلق بالأنشطة الاستيطانية و هدم المباني الفلسطينية – لكن الذي يبقى غائبًا في بروكسل وعواصم الدول الأعضاء في الاتحاد هو الرغبة في سد الفجوة بين الخطاب والعمل الفعلي لمنع أو تحدي أو ردع الاستهداف الإسرائيلي للوجود الفلسطيني في المناطق المعرضة للخطر.

وعلى الرغم من أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي طالبت أحيانًا بتعويضات من إسرائيل كما حدث في عام 2017 عندما طالبت ثمان دول أوروبية بتعويض قدره 35 ألف دولار على خلفية مصادرة وهدم المباني التي شيدتها في المنطقة المصنفة (ج)، إلا أن المذكرة قالت إنه لم يكن هناك ضغط مستمر وملموس من الاتحاد الأوروبي على إسرائيل لوقف عمليات الهدم.

علاوة على ذلك، في حزيران/يونيو 2020، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد غابي أشكنازي، في رده على سؤال برلماني قدمه عضو الكنيست موشيه أربيل من حزب شاس اليميني، بأن إسرائيل ترفض بشكل قاطع احتمال تعويض الاتحاد الأوروبي عن الهياكل أو المعدات التي هدمتها أو صادرتها.

كما أكد أشكنازي أنه يعتبر أي نشاط أوروبي حاضر أو ​​مخطط له في المنطقة المصنفة (ج) “لا يحترم إجراءات تراخيص البناء الإسرائيلية، ويمثل تدخل أوروبي في محاولة لتحديد الحدود”، مؤكدا أن ذلك سيواجه “عواقب ناجمة عن الانتهاكات”.

وأشارت مذكرة المرصد الأورومتوسطي إلى أن “حكومة إسرائيل تعرف جيدًا أنها لا تسمح بالبناء والتنمية للفلسطينيين في المنطقة المصنفة (ج) من الضفة الغربية، ولا حتى الربط بشبكات المياه والكهرباء”.

وأضافت أن الحكومة الإسرائيلية جعلت عمدا إصدار تصاريح البناء والتنمية أمر شبه مستحيل بالنسبة للفلسطينيين والأجانب للحصول، مع ما لا يزيد عن 2.3٪ من طلبات تصاريح البناء في المنطقة (ج) التي وافقت عليها السلطات الإسرائيلية بين عامي 2009 و2012.

وأشارت المذكرة إلى حالة قامت فيها إسرائيل بهدم ومصادرة مشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي تم إنشاؤها بالفعل بالتنسيق مع الإدارة المدنية الإسرائيلية.

ففي أيلول/سبتمبر عام 2014، عمد الجيش الإسرائيلي بحجة عدم التصريح إلى قطع النقاط والكابلات الكهربائية لمشروع كهرباء بلجيكي في قرية خربة الطويل الصغيرة شرقي نابلس.

وأشارت المذكرة إلى أن “مشروع الكهرباء تم الانتهاء منه في عام 2004 بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية لتحسين الظروف المعيشية لسكان القرية البالغ عددهم 200 نسمة من سكان الريف والمحرومين، غير أنه تم تدمير ما مجموعه 100 عمود وغيرها من دعامات الإضاءة وقطعت 3.5 كيلومتر من الكابلات الكهربائية”.

ما يجب أن يفعله الاتحاد الأوروبي

عقب عبده بالقول إنه “لا يمكن ولا ينبغي التسامح مع هذا الوضع المثير للقلق المتمثل في تصاعد عمليات الهدم الإسرائيلية وتراجع تمويل مشاريع الاتحاد الأوروبي”.

وأضاف عبده “طالما أن الوضع الراهن الذي يمكّن حكومة إسرائيل من تنفيذ مثل هذه الهجمات على الاتحاد الأوروبي- لا تزال المشاريع الممولة بدون معالجة وبدون مواجهة، وستتزايد المخاوف بين جميع الجهات المانحة للأراضي الفلسطينية المحتلة من أن كل ما يبنونه أو يعيدون بناءه سيتم تدميره مرة أخرى في أي وقت من الأوقات “.

وأوصت مذكرة المرصد الأورومتوسطي المفوضية والحكومات الأوروبية باتخاذ تدابير جذرية لمعالجة جذور المشكلة، بما في ذلك التحقيق والإبلاغ العلني عن جميع التدمير أو الأضرار التي لحقت بالمباني التي تم إنشاؤها بتمويلها؛ واستخدام الاجتماعات مع السلطات الإسرائيلية للتعبير عن موقف أوروبي واضح ومتسق بشأن عمليات هدم وتدمير المشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي.

 

 

قد يعجبك ايضا