إسرائيل تغتال خمسة صحافيين في غزة في جريمة مروعة لطمس الحقيقة والتمهيد لمجزرة كبرى
يدين المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأشد العبارات جريمة اغتيال إسرائيل خمسة من طاقم قناة الجزيرة في قطاع غزة، بينهم المراسلان “أنس الشريف” و”محمد قريقع”، كجزء من سياسة منهجية لإسكات شهود الحقيقة وطمسها، خصوصًا بعد محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي تبييض جرائم جيشه في مؤتمر صحفي سبق الجريمة بساعات.
ووفق متابعة الطاقم الميداني لفريق المرصد الأورومتوسطي، فقد استهدفت طائرة مسيرة إسرائيلية مفخخة خيمة للصحافيين قرب مجمع الشفاء الطبي، مساء الأحد الموافق 11 أغسطس/آب، ما أدى إلى مقتل خمسة من طاقم قناة الجزيرة في مدينة غزة وهم: المراسل “أنس الشريف”، والمراسل “محمد قريقع”، والمصور “إبراهيم ظاهر”، والمصور “مؤمن عليوة”، والمصور “محمد نوفل”، فيما أصيب صحافيون آخرون بجروح.
وقال الأورومتوسطي إن هذه الجريمة جاءت بعد ساعات فقط من مؤتمر لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، صعّد فيه تحريضه على وسائل الإعلام المستقلة، وهاجم التغطية الصحافية التي تكشف جرائم جيشه، متوعدًا بالمضي في مخططه لفرض السيطرة الكاملة على غزة، ما يؤكد أن هذا الخطاب التحريضي العلني شكّل إشارة مباشرة لقواته بضرورة إسكات الأصوات التي تنقل الحقيقة للعالم، وهو ما تجسد سريعًا في جريمة الاغتيال المروّعة بحق الصحافيين.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال الصحافي “أنس الشريف”، يعكس المستوى الخطير الذي وصل إليه استهتارها بالقوانين الدولية، ويعد تعبيرًا صارخًا عن نتائج الإفلات من العقاب الناجمة عن سياسة الدعم والصمت التي يمارسها المجتمع الدولي الذي يسكت ويمرر مثل هذه الجريمة.
وأشار إلى أن اغتيال الصحافيين، خاصة “الشريف”، جاء بعد سلسلة تحريضات واتهامات له، بعد أن قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي والده في قصف مباشر سابقًا للضغط عليه للتوقف عن التغطية الصحفية.
يحذر المرصد الأورومتوسطي من أن تصعيد جرائم استهداف من تبقي من صحافيين في قطاع غزة في ظل استمرار منع طواقم الصحافة الأجنبية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، يشير إلى سعى إسرائيلي لفرض تعتيم إعلامي كامل على ما يحدث داخل القطاع، وذلك في ظل الحديث عن بدء عملية عسكرية واسعة النطاق في مناطق واسعة من القطاع لا سيما مدينة غزة.
ويكرر الأورومتوسطي إدانته الشديدة للاستهداف الإسرائيلي والقتل المباشر والمتعمد للصحافيين في قطاع غزة التي تشهد جريمة إبادة جماعية شاملة، وذلك لمنعهم من القيام بعملهم فقط وينقلون الأخبار من مواقعهم، مطالبا باتخاذ إجراءات دولية سريعة بما يُفضي إلى محاسبة المتورطين فيها، ووضع حد للاستهداف الإسرائيلي المنهجي للعمل الصحافي الفلسطيني.
ويبرز المرصد الأورومتوسطي أن إسرائيل حولت حربها المروعة المتواصلة على قطاع غزة منذ 22 شهرًا إلى مقتلة للصحافيين الفلسطينيين عبر استهدافهم ومقار عملهم بشكل منهجي في مسعى لفرض تعتيم إعلامي حقيقي وشامل على القطاع بأكمله.
ووثق المرصد الأورومتوسطي مقتل أكثر من 230 صحافيًا من جميع الفئات الإعلامية العاملة في قطاع غزة، فضلًا عن إصابة واعتقال العشرات، بما يمثل أكبر حصيلة دامية لضحايا من الصحافيين أثناء الحروب والنزاعات في التاريخ الحديث.
ويؤكد الأورومتوسطي أن استهداف إسرائيل للصحافيين في غزة جاء عن سبق إصرار وترصّد، إذ لم تترك لهم أي مكان آمن، فهاجمتهم خلال عملهم وهم يرتدون ستراتهم الصحفية المميزة في الميدان، وفي الخيام المقامة قرب المستشفيات لتيسير التغطية الإعلامية، وحتى داخل منازلهم مع أسرهم، حيث جرى تدمير البيوت فوق رؤوسهم، فضلًا عن قصف وتدمير المقار الإعلامية بشكل مباشر.
ويؤكد المرصد الأورومتوسطي أن استهداف الصحافيين يندرج ضمن جرائم الحرب وينتهك القانون الدولي وكذلك قراري مجلس الأمن الدولي 2015/2222 و2006/1738 اللذين يدينان الهجمات الدولية على الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في حالات النزاع المسلح. كما أن المادة 79 من الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977، قد شددت على وجوب إيلاء حماية للصحفيين الذي يباشرون أعمالهم في مناطق المنازعات المسلحة.
اغتيال الصحافيين في غزة لا يمكن اعتباره مجرد جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، بل هو فعل مركزي من أفعال الإبادة الجماعية وأداة حاسمة في تنفيذها. فقتل الصحافيين الفلسطينيين، وهم جزء من الشعب الفلسطيني المحمي بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يندرج بوضوح ضمن الفعل المحظور في الاتفاقية المتمثل في “قتل أعضاء من الجماعة”، ويؤدي دورًا جوهريًا في الخطة الإبادية عبر إسكات الشهود الوحيدين القادرين على توثيق الجرائم وفضحها أمام العالم، مما يفتح الطريق لمواصلة القتل الجماعي والتهجير والتدمير الشامل لمقومات الحياة بعيدًا عن أي رقابة أو شهود.
ويشدد الأورومتوسطي على أن النمط المنهجي المتمثل في العدد غير المسبوق من الصحافيين المستهدفين، وتزامن ذلك مع التصعيدات العسكرية الكبرى، واستهداف الأصوات الإعلامية الأكثر كشفًا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بعد تهديدات علنية، كلها مؤشرات دامغة على القصد الخاص لتدمير الجماعة الفلسطينية في جزء منها، وتثبت أن اغتيال الصحفيين ليس فعلًا عرضيًا، بل جزء عضوي من البنية التنفيذية لجريمة الإبادة الجماعية.
وأكد على أن استهداف الصحافيين في هذه الظروف، مع العلم الكامل بمهامهم ووضوح هويتهم، يكشف عن نهج منظم لإزالة كل العوائق التي قد تفضح أو توثّق الجرائم، تمهيدًا لارتكاب مجازر أوسع في بيئة معزولة عن أنظار العالم، كجزء من سياسة رسمية تتبناها سلطات الاحتلال لإدارة جريمة الإبادة الجماعية في غزة بعيدًا عن الرقابة الدولية أو الإعلامية.
ويدعو المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى فتح تحقق دولي مستقل في جرائم إسرائيل بحق الصحافيين لا سيما بالنظر إلى سجلها الحافل في استهدافهم في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبخاصة خلال جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة وإنهاء واقع الإفلات من العقاب الذي أدى على مدار سنوات إلى زيادة وتيرة استهداف الصحفيين.
ويطالب الأورومتوسطي بفرض عقوبات سياسية ودبلوماسية واقتصادية على المسؤولين الإسرائيليين المتورطين، ووقف إمداد إسرائيل بأي أسلحة أو تقنيات تُستخدم في استهداف الصحفيين وغيرهم من المدنيين. كما يدعو إلى تفعيل الولاية القضائية العالمية لملاحقة المتورطين أمام المحاكم الوطنية في الدول الأطراف، وضمان حماية ميدانية عاجلة للصحفيين في فلسطين عبر آلية دولية مستقلة.
ويحمّل المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة عن كل جريمة ترتكبها إسرائيل، داعيًا الأمم المتحدة والدول الفاعلة إلى اتخاذ إجراءات عملية وملموسة، تتجاوز الإدانة اللفظية، من خلال فرض عقوبات ملزمة، ووقف تزويد إسرائيل بالسلاح والدعم اللوجستي، وتفعيل آليات المساءلة الدولية لوقف جريمة الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب.