هيومن رايتس ووتش تطالب الولايات المتحدة بإنهاء اعتمادها على حكّام البترول المستبدين
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – نتج الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا توترا كبيرا لم تتم تسويته في تعامل إدارة بايدن مع “التزامها بالقِيَم الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وذلك في الوقت الذي تحاول فيه التعامل مع القضية الحساسة سياسيا واقتصاديا المتعلقة بأسعار الطاقة عالميا.
حشدت الولايات المتحدة حلفاءها الأوروبيين وغيرهم لاتخاذ قرارات سياسية كبيرة ومنسقة بغية دعم رد أوكرانيا على العدوان الروسي.
منذ أن شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهجوم على أوكرانيا، تورطت القوات الروسية في العديد من الانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب.
فقد قام الجيش الروسي بقصف المستشفيات، وإلقاء الذخائر العنقودية في المناطق المأهولة بالسكان، وقتل المدنيين.
لكن إدارة بايدن تُواجه صعوبة في الوفاء التزاماتها الحقوقية في وقت تتواصل فيه مع مختلف الحكام المستبدين. ومن ضمنهم ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” وكبار المسؤولين في الإمارات. وهم أصحاب سجلات مروعة في انتهاكات الحقوق.
من بين هذه الانتهاكات الإعدام الجماعي المروع الذي نفذته السعودية مؤخرا بحق 81 شخصا في 12 مارس/آذار، والقصف غير القانوني للمستشفيات في اليمن من قبل التحالف بقيادة السعودية والإمارات.
في صلب هذا التحدي السياسي يكمن اعتماد الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” ودول أخرى على الوقود الأحفوري.
بالإضافة إلى القوة التي منحها هذا الاعتماد لحكام النفط المستبدين لإشعال صراعاتهم، مجازيا وفعليا، وارتكاب جميع انتهاكاتهم الحقوقية الجسيمة، والإفلات من العقاب.
هذا الاعتماد على النفط والغاز هو السبب وراء اندفاع الرئيس جو بايدن لتعويض ارتفاع أسعار الطاقة، بما في ذلك من خلال طلب المساعدة من ولي العهد السعودي.
وكانت “هيومن رايتس ووتش” وآخرون قد دعوا الولايات المتحدة إلى معاقبة “بن سلمان” لموافقته على جريمة القتل الوحشية بحق الصحفي السعودي في “واشنطن بوست” و”ميدل إيست آي” “جمال خاشقجي” في إسطنبول، وإشرافه على جرائم الحرب في اليمن.
كما تواصَل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع قادة الإمارات بشأن زيادة إنتاج النفط، بينما يتحدث مسؤولون أمريكيون آخرون مع فنزويلا حول تخفيف العقوبات من أجل زيادة واردات النفط.
بطبيعة الحال، لطالما كان الاعتماد الأمريكي على الوقود الأحفوري مبررا للسياسة الخارجية الأمريكية للحفاظ على علاقات جيدة مع الدول المنتهِكة والتقليل من شأن المخاوف الحقوقية.
قال الرئيس السابق دونالد ترامب، في بيانه الطويل الشائن، الذي صدر بعد مقتل “خاشقجي” في أكتوبر/تشرين الأول 2018 ودافع فيه عن العلاقات الأمريكية-السعودية: “بعد الولايات المتحدة، السعودية هي أكبر دولة منتجة للنفط في العالم”.
وأضاف: “لقد عملوا معنا عن كثب وكانوا مستجيبين جدا لطلباتي بالحفاظ على أسعار النفط عند مستويات معقولة – وهو أمر مهم جدا للعالم”.
أثرّت وجهة النظر هذه، أو ما يشابهها، على استراتيجية السياسة الخارجية للذراع التنفيذي للولايات المتحدة.
وذلك منذ أن التقى الرئيس “فرانكلين روزفلت” بالملك السعودي “عبد العزيز بن سعود” على متن مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية في قناة السويس عام 1945.
لذلك، بينما تحاول إدارة بايدن الوفاء بوعد حملتها المتمثل في “عدم التخلي عن قِيمها لبيع الأسلحة أو شراء النفط”، فإنها لا تواجه أزمة واحدة، بل أزمتين.
رغم أن رأس مال الوقود الأحفوري يُمكّن حكام البترول المستبدين هؤلاء ويشجعهم، إلا أن تقاعس الدول الرئيسية المتسببة بانبعاث الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري – مثل الولايات المتحدة – في دفع انتقال صديق للبيئة وعاجل ومنسق بعيدا عن الوقود الأحفوري، يهدد في الوقت نفسه بانهيار المناخ.
وهذا بحسب ما ذكرت أيضا ورقة عمل صادرة عن “صندوق النقد الدولي” في 2019، وتهدد “في أسوأ الحالات بانقراض البشر”.
في هذا المنعطف الحرج، للكونغرس الأمريكي دور محوري يضطلع به. فهو يحمل مفتاح تقليص الطلب الأمريكي على الوقود الأحفوري بشكل كبير، وفتح الباب أمام سياسة خارجية أمريكية أقل اعتمادا على الحكام المستبدين لبلدان العالم الغنية بالنفط، وأكثر قدرة بكثير على تعزيز استجابة حقوق الإنسان لتجنب كارثة المناخ.
بنود المناخ في قانون بايدن “إعادة البناء بشكل أفضل” بالغة الأهمية. يمكن إضافة هذه الأحكام إلى مشروع قانون المصالحة لهذا العام، وإذا تم إقراره.
فقد قدر المحللون الأكاديميون أنه من المرجح أن يحقق على الأرجح “التزام الرئيس بايدن بخفض الانبعاثات إلى نصف مستويات الذروة بحلول عام 2030″ وستكون لها أهمية بالغة في تمكين الولايات المتحدة من الوفاء بالتزاماتها بـ”اتفاق باريس للمناخ”.
بدأ الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بالفعل بالعمل بشكل أكثر إلحاحا وتبيان طريق للمضي قدما لصانعي السياسة في الولايات المتحدة.
أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يعتزم التخلص متأخرا من إدمانه على الغاز الروسي، وذلك جزئيا عبر تسريع “الصفقة الخضراء” للاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، يضع المسؤولون البريطانيون ضرورة التركيز على الطاقة المتجددة وإنهاء الاعتماد على حكّام البترول المستبدين كجزء من “مسألة تتعلق بالأمن القومي”.
كما قال وزير الخارجية “جيمس كليفرلي” الأسبوع الماضي: “يمثل الوضع في أوكرانيا تأكيدا إضافيا فريدا ومروعا لنا جميعا للابتعاد عن إدماننا على [النفط والغاز]”.
لكن الإدمان البريطاني على الوقود الأحفوري ما يزال يحتل الصدارة. فقد زار رئيس الوزراء “بوريس جونسون” السعودية والإمارات الشهر الماضي لمناقشة زيادة إنتاج النفط، حتى مع تنفيذ السعوديين المزيد من الإعدامات.
بالطبع، لا يزال لدى الرئيس بايدن تدابير تحت تصرفه المباشر للمساعدة في خفض الاعتماد على النفط والغاز، وليس فقط في الولايات المتحدة.
يمكنه العمل بـ”قانون الإنتاج الدفاعي”، على سبيل المثال، لتحفيز إنتاج الولايات المتحدة للألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، والمضخات الحرارية، وغيرها من التقنيات الصديقة للمناخ اللازمة لمواجهة أزمة المناخ وأزمة أوكرانيا.
على إدارة بايدن أيضا التدقيق في طريقة تطبيق الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الفساد على البلدان التي غالبا ما تخضع ثرواتها الطبيعية لسيطرة دائرة صغيرة من الفاسدين الذين يستخدمون هذه الأموال لإثراء أنفسهم بدلا من مواطنيهم.
إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا أن تكون حقوق الإنسان في صلب سياستها الخارجية. فقد حان الوقت الآن حتى يتحلّى قادة الكونغرس بالجرأة ويستفيدون من رأسمالهم السياسي لإقرار خطة مناخية فعلية.
بالإضافة إلى إضعاف الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم، وتجنب أسوأ سيناريوهات الكارثة المناخية التي تنتظرنا جميعا بخلاف ذلك.