أوروبا.. حياة عشرات الآلاف من السوريين معلقة بسبب تجميد طلبات اللجوء
جنيف – أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء استمرار تجميد المملكة المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي عشرات آلاف طلبات اللجوء لمواطنين السوريين، معتبرًا أنّ هذا التجميد الجماعي دون إجراء تقييمات فردية يُشكّل انتهاكًا للقانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بمبدأ عدم الإعادة القسرية، في ظل عدم توفر ظروف آمنة وكريمة للعودة إلى سوريا في الوقت الراهن.
وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم إنّ عددًا من دول الاتحاد الأوروبي، من بينها ألمانيا وفرنسا والنمسا واليونان، بدأت بمراجعة شاملة لملفات اللجوء المقدمة من السوريين، ما أدى فعليًا إلى تجميد عشرات الآلاف من طلبات اللجوء بانتظار “اتضاح الأوضاع السياسية في سوريا”، وفق تعبير بعض الجهات الرسمية في هذه الدول.
ففي ألمانيا، أعلن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين عن تعليق جميع القرارات المتعلقة بطلبات اللجوء المقدّمة من السوريين، في خطوة طالت أكثر من 47,000 طلب، من بينها 46,081 طلبًا أوليًا، وفقًا لتصريح المتحدث الرسمي باسم المكتب.
وفي فرنسا، باشرت السلطات المختصة إجراءات تعليق مؤقت لطلبات اللجوء المقدّمة من السوريين، إلى جانب مراجعة شاملة لقرارات اللجوء السابقة، إذ أوضح بيان صادر للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية أنّ هناك نحو 700 طلب لجوء قيد الدراسة، من ضمنها طلبات مقدّمة من قاصرين، مع الإشارة إلى أن حوالي 45,000 لاجئ سوري كانوا قد حصلوا في وقت سابق على صفة لاجئ بموجب الإجراءات المعتمدة.
أما في النمسا، فأعلنت الحكومة المؤقتة في كانون الأول/ديسمبر 2024 عن وقف معالجة جميع طلبات اللجوء المقدّمة من السوريين، عقب سيطرة فصائل المعارضة المسلّحة على دمشق وانهيار نظام بشار الأسد، ووجّه وزير الداخلية بمراجعة كافة الحالات التي مُنح فيها اللجوء سابقًا، إضافة إلى تعليق إجراءات لمّ شمل الأسرة. وصرّحت السلطات بأنها بصدد دراسة برامج لإعادة التوطين والترحيل المنظم إلى سوريا. ويُذكر أنّ السوريين يُشكّلون أكبر فئة من طالبي اللجوء في النمسا، مع تسجيل 12,871 طلبًا حتى شرين الثاني/نوفمبر 2024.
أما في اليونان، فبحسب مصدر رسمي رفيع المستوى في الحكومة، قرّرت السلطات تعليق معالجة ما يقارب 9,000 طلب لجوء مقدّم من سوريين في أعقاب التحولات السياسية التي شهدتها سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وفي المملكة المتحدة، أعلنت وزارة الداخلية في 9 كانون الأول/ديسمبر 2024 عن “تجميد مؤقت” للقرارات المتعلقة بطلبات اللجوء المقدّمة من المواطنين السوريين عقب سقوط نظام بشار الأسد. وأوضحت الوزارة أنّ هذا الإجراء يهدف إلى “تقييم الوضع الحالي” في سوريا، مشيرة إلى أن جميع الإرشادات المتعلقة بطلبات اللجوء تخضع لمراجعة مستمرة. وحتى شباط/فبراير 2025، بلغ عدد طلبات لجوء السوريين المجمّدة أكثر من 6,600 طلب، في حين صرّحت وزيرة الدولة لشؤون أمن الحدود واللجوء، “أنجيلا إيغل”، أنّ التجميد سيبقى قائمًا إلى حين توفّر معلومات موثوقة تتيح اتخاذ قرارات دقيقة بشأن هذه الطلبات.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ سوريا ما تزال تُعدّ مكانًا غير آمن للعودة استنادًا إلى تقييمات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي أكدت أنّ الظروف الحالية في البلاد لا تفي بمعايير العودة الآمنة والطوعية والكريمة، رغم التحولات السياسية الأخيرة.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي أنّ أي تغييرات في منهجيات معالجة طلبات اللجوء يجب أن تتم ضمن الإطار القانوني لاتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، باعتبارها المرجعية الأساسية في القانون الدولي للاجئين، والتي تُلزم الدول بعدم سحب أو إنهاء الحماية الدولية الممنوحة إلا في حالات استثنائية ومحددة، ووفق تقييم فردي وعادل لكل حالة على حدة.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أنّ المعايير الدولية للحماية لا تسقط تلقائيًا بمجرد تغيّر النظام السياسي في بلد الأصل، بل يشترط لذلك توفر ظروف موضوعية ومستقرة تضمن أمن وسلامة العائدين، بما في ذلك وجود مؤسسات قادرة على توفير الحماية الفعلية، وغياب التهديدات الفردية أو الجماعية، إضافة إلى زوال الأسباب الجوهرية التي دفعت طالبي اللجوء إلى مغادرة بلادهم في المقام الأول.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ التجميد الجماعي لطلبات اللجوء دون إجراء تقييم فردي لكل حالة يشكّل انتهاكًا صريحًا لمبادئ القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص مبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في المادة 33 من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. ويُعد هذا المبدأ حجر الأساس في منظومة الحماية الدولية، إذ يحظر بشكل قاطع إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر الاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ الحق في إجراءات لجوء عادلة وفردية منصوص عليه بوضوح في القانون الأوروبي، لا سيّما في توجيه الإجراءات رقم 2013/32/EU، الذي يُلزم الدول الأعضاء بضمان النظر المنصف والفردي في كل طلب لجوء، استنادًا إلى الظروف الخاصة بمقدم الطلب. كما تؤكد المادتان 44 و45 من التوجيه ذاته على أنّ أي عملية لسحب الحماية الدولية يجب أن تستند إلى عناصر جديدة وموثوقة تبرّر إعادة النظر في صفة اللاجئ بشكل فردي، وأن تضمن إبلاغ الشخص المعني كتابيًا بحقوقه وأسباب المراجعة، إضافةً إلى منحه فرصة فعلية لتقديم دفوعه عبر مقابلة شخصية أو بيان مكتوب، ضمن إجراءات عادلة ومبنية على معلومات دقيقة ومحدّثة.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ تجاهل هذه الالتزامات القانونية، سواء بموجب القانون الدولي أو المنظومة الإقليمية الأوروبية، من خلال اللجوء إلى تعليق جماعي أو آلي لطلبات اللجوء، لا يُهدد فقط سلامة اللاجئين وحياتهم، بل يُقوّض الأسس التي يقوم عليها نظام الحماية الدولية بأكمله، ويفتح هذا المسار الباب أمام ممارسات تعسفية تُفرغ الحق في اللجوء من مضمونه، وتُضعف ثقة الأفراد في العدالة الدولية والآليات القانونية المفترض أن تحميهم.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ سياسة تجميد طلبات اللجوء تشكّل انتهاكًا جسيمًا لحقوق طالبي اللجوء، لما يترتب عليها من حرمان فعلي من جملة من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التعليم، والعمل، والسكن الملائم، ولمّ شمل الأسرة، والحصول على حماية قانونية فعالة، والحرمان من الرعاية الصحية. وأوضح أنّ إبقاء آلاف الأشخاص في حالة انتظار طويلة وغير مبررة يفاقم من معاناتهم النفسية والاجتماعية، ويجعلهم أكثر عرضة للوقوع في دوائر الفقر، والعزلة، والانتهاكات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الاستغلال في سوق العمل غير النظامي.
وحذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى ما يُعرف بالإعادة القسرية غير المباشرة، حيث يُجبر بعض طالبي اللجوء السوريين على العودة إلى بلدهم تحت وطأة الضغوط النفسية المتراكمة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وانسداد الأفق القانوني نتيجة طول الانتظار والغموض الإجرائي. وأكّد أنّ هذا الشكل من “الضغط الصامت”، الناجم عن سياسات التجميد الجماعي، يُعدّ انتهاكًا واضحًا للمبدأ الجوهري في القانون الدولي، والمتمثل في حظر الإعادة القسرية، حتى في حال غياب قرار رسمي بالترحيل، إذ تتحمل الدولة المسؤولية القانونية الكاملة عن أي ظرف أو إجراء يؤدي فعليًا إلى تقويض الحماية الدولية، ويدفع اللاجئ إلى العودة إلى بلد لا يزال غير آمن.
في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي: قالت “نورا”، وهي ناشطة سوريَّة كانت تعيش في لبنان طيلة سنوات الحرب هربًا من بطش النظام السوري السابق: “سافرت من لبنان إلى بلجيكا العام الماضي لحضور المؤتمر السنوي الخاص بسوريا في بروكسل، إلَّا أنَّ الأمن العام اللبناني أصدر قرارًا بمنع دخولي إلى لبنان أثناء سفري من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت إلى بلجيكا. عندما وصلت إلى بروكسل، تقدَّمت بطلب لجوء هناك، إلَّا أنَّ السلطات علّقت طلبي مثلما علّقت طلبات لجوء آلاف السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد”.
وأضافت: “اضطر زوجي للعودة إلى سوريا وهو يعيش في خطر دائم على حياته. كنت أريد العودة إلى بلادي بعد سقوط النظام، ولكن كوني أنتمي للطائفة العلوية، باتت تتملكني مخاوف عميقة بعد أحداث الساحل في مارس/ آذار 2025، كما أن زوجي المقيم هناك نصحني بعدم القدوم وأكّد لي هذه المخاوف. أعيش الآن حالة من الضياع بسبب تعليق السلطات البلجيكية طلبات اللجوء بما في ذلك طلبات لم الشمل، فأنا لا أستطيع العودة إلى لبنان أو إلى سوريا أو حتى لم شملي مع زوجي”.
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ تجميد طلبات اللجوء يعرّض الأفراد لحالة من انعدام الاستقرار القانوني والاقتصادي، ويُقيّد حقهم في التعليم والعمل والحياة الكريمة. كما يُعد تأخير البتّ في طلبات الحماية الدولية انتهاكًا لحق الفرد في الحماية، ويمسّ بالكرامة الإنسانية وحقه في بناء حياة آمنة ومستقرة، خصوصًا في ظل ظروف لا تتيح العودة الآمنة إلى الوطن.
في هذا السياق، قال الشاب السوري “عمر” لفريق المرصد الأورومتوسطي: “سافرت العام الماضي من لبنان الذي أقيم فيه منذ بداية الحرب إلى بلجيكا، ولكنني فوجئت بقرار الامن العام اللبناني منعي من دخول لبنان مجدّدًا، فتقدمت بطلب حماية في بلجيكا، ولكن السلطات هناك علّقت طلبي منذ سقوط نظام بشار الأسد. لا أستطيع الآن العودة للبنان ولا أستطيع أيضًا العودة إلى سوريا لأنني أخشى ملاحقتي واستهدافي من بعض الجماعات التي شاركت في إسقاط النظام السابق بسبب انتقاداتي العلنية لممارساتهم خلال الأعوام الماضية”.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ استمرار تعليق ملفات طالبي اللجوء السوريين دون مبرر قانوني أو إنساني يشكل خرقًا للالتزامات الدولية الواقعة على عاتق الدول الأوروبية والمملكة المتحدة بموجب القانون الدولي للاجئين، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي الدول الأوروبية والمملكة المتحدة إلى الإنهاء الفوري للتجميد الجماعي لملفات اللجوء المقدمة من السوريين، لما ينطوي عليه هذا الإجراء من مخالفة جسيمة لمبادئ العدالة الدولية، ومساس بحقوق الأفراد المكفولة بموجب القانونين الدولي والأوروبي، مشددًا على ضرورة ضمان فحص كل طلب لجوء بشكل فردي، بناءً على ظروف الشخص المعني، ووفقًا لمعايير الحماية الدولية المنصوص عليها في اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وتوجيهات الاتحاد الأوروبي المشتركة بشأن إجراءات اللجوء.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على ضرورة الكفّ عن اتخاذ التحولات السياسية في سوريا ذريعةً لإلغاء صفة اللجوء، ما لم يثبت وبمقتضى المعايير الصارمة الواردة في اتفاقية 1951، وقوع «تغيّر جوهري ودائم» يخلق بيئة آمنة تُحترم فيها حقوق الإنسان، وتتوفر فيها آليات المساءلة، وضمانات عدم التكرار، وجبر ضرر الضحايا.
وحث المرصد الأورومتوسطي على ضرورة ضمان حصول جميع طالبي اللجوء على محامين مؤهّلين ومترجمين فوريين معتمدين من دون كلفة حتى صدور القرار النهائي في الطلبات، تمكينًا لحق الدفاع وضمانًا لإجراءات عادلة تتماشى مع توجيهات الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.
وطالب المرصد الأورومتوسطي بضمان توفير حماية قانونية واجتماعية مؤقتة وكاملة لجميع طالبي اللجوء خلال فترة انتظار البت في طلباتهم، بما يشمل الحق في التعليم، والعمل، والسكن، والرعاية الصحية، وتوفير مسارات مؤقتة للإقامة النظامية لتفادي ترك الأفراد في فراغ قانوني قد يعرّضهم لمخاطر الاستغلال أو الإعادة القسرية غير المباشرة.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي الدولَ الأوروبية على مضاعفة حصص إعادة التوطين عبر “آلية الحماية الإنسانية” لصالح الفئات الأشدّ تعرّضًا للخطر، وفي مقدّمتها النساء الأرامل، والأشخاص ذوو الإعاقة، وضحايا التعذيب، وكذلك تعيين أوصياء قانونيّين للقاصرين غير المصحوبين، وتسريع إجراءات لمّ شملهم بأسرع وقت ممكن.
ودعا المرصد الأورومتوسطي الدول المعنية لتعزيز الشفافية والمساءلة في عملية اتخاذ القرار المتعلقة بسحب أو تجميد طلبات اللجوء، من خلال إعلان المعايير المعتمدة في مراجعة الوضع في سوريا بشكل علني وواضح، بما في ذلك تقديم تحديثات دورية ومنتظمة حول هذه العملية لكافة الأطراف المعنية، بما في ذلك المنظمات الإنسانية والحقوقية والمجتمعات المحلية، وأن تكون هذه المعايير مستندة إلى تقارير موضوعية ومحدثة من مصادر مستقلة مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، لضمان أن يتم اتخاذ القرارات بناءً على معلومات دقيقة ومتحقق منها.