أعلى محكمة مغربية تنظر في قضية بارزة متعلقة بالصحراء الغربية
قالت “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” اليوم إن أعلى محكمة في المغرب تنظر في قضية 19 صحراويا مسجونين منذ 2010 بعد اشتباكات عنيفة مع الشرطة.
من المتوقع صدور الحكم في 25 نوفمبر/تشرين الثاني. يقضي الرجال أحكاما سجنية بين 20 سنة والمؤبد بعد محاكمات شابتها مزاعم تعرضهم للتعذيب.
راجعت محكمة النقض في 4 نوفمبر/تشرين الثاني حكما صادرا عن محكمة استئناف، قبل أربعة أيام من الذكرى العاشرة للحادث الذي أثار القضية، وهو قيام قوات الأمن المغربية بتفكيك مخيم احتجاجي في أكديم إزيك، قرب مدينة العيون، في الجزء الذي يسيطر عليه المغرب من الصحراء الغربية.
أدين المتهمون أول الأمر في محكمة عسكرية في 2013 ثم في محكمة استئناف مدنية في 2017 بتهمة المسؤولية عن مقتل 11 من أفراد الأمن خلال اشتباكات اندلعت إثر قيام قوات الأمن بتفكيك المخيم. استندت الأحكام بشدة إلى اعترافات طعن فيها المتهمون.
قال إريك غولدستين، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “محكمة النقض هي الفرصة الأخيرة لتصحيح مسار محاكمة أكديم إزيك.
الجميع يستحق عدالة حقيقية – المتهمون وعناصر الشرطة القتلى وأقاربهم – في محاكمة عادلة، ويُنظر إليها على أنها عادلة”.
في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، تحركت قوات الأمن المغربية لتفكيك مخيم أكديم إزيك الذي كان يضم حوالي 6,500 خيمة أقامها صحراويون قبل شهر للاحتجاج على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية في الصحراء الغربية.
قتلت المواجهات العنيفة في المخيم ومدينة العيون المجاورة 11 عنصر أمن مغربي، دُهِس بعضهم بالسيارات وقتل آخرون بالسكاكين أو السيوف اليدوية الصنع. ذُبح رجل أمن واحد على الأقل بحسب نص الحكم في محاكمة 2017.
ضربت قوات الأمن المغربية مرارا وتكرارا الأشخاص الذين اعتقلتهم في أعقاب الأحداث مباشرة ومارست بحقهم انتهاكات. اتُهم فيما بعد 25 صحراويا بتشكيل عصابة إجرامية والمشاركة أو التواطؤ لارتكاب أعمال عنف ضد قوات الأمن “أدت إلى القتل العمد”، إضافة إلى تهم أخرى.
أُطلق سراح أحد المعتقلين في 2011، ثم أخلت محكمة عسكرية في 2013 سبيل اثنين آخرَين وحكمت على الـ 22 المتبقيين بالسجن لفترات طويلة، بما فيهم واحد حُكم عليه غيابيا بالسجن المؤبد بعد فراره إلى إسبانيا.
اعتمدت المحكمة بشكل شبه كامل في إدانتهم على اعترافاتهم للشرطة أو أقوال لهم تُورِّط متهمين آخرين، دون النظر إلى ادعاءاتهم بشأن انتزاع التصريحات منهم تحت التعذيب وأشكال أخرى من الإكراه.
تضمنت مزاعمُ التعذيب الضرب المبرح، مع التعليق من المعصمين والركبتين في بعض الحالات، والاعتداء الجنسي بما في ذلك الاغتصاب بأداة، وقلع أظافر اليدين والقدمين.
التعذيب، مثل غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، واللاإنسانية، والمهينة، محظور بموجب القانون الدولي والدستور المغربي.
كما يجرم القانون الجنائي المغربي التعذيب، وينص قانون المسطرة الجنائية على أن الاعترافات المنتزعة “بالعنف” أو “الإكراه” لا يعتد بها في المحكمة.
ومع ذلك، لدى المحاكم المغربية سجل حافل في الاعتماد على الاعترافات كمصدر رئيسي لإصدار الأحكام دون التحقيق في مزاعم انتزاعها تحت التعذيب، أو غيره من أشكال الإكراه غير القانوني.
في 2016، ألغت محكمة النقض حكم المحكمة العسكرية ضد متهمي أكديم إزيك بسبب استناده إلى أدلة غير كافية. أحيلت القضية إلى محكمة مدنية لإعادة المحاكمة.
اعتمد المغرب في 2014 قانونا أنهى محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ، لكنه لم يطبق بأثر رجعي على محاكمة أكديم إزيك في 2013.
في 2017، قضت محكمة الاستئناف بمدينة سلا قرب الرباط بإدانة 22 من المتهمين بعد النظر في أدلة جديدة قدمتها النيابة العامة وأقاربُ رجال الأمن القتلى بصفتهم أطرافا مدنية في القضية، أي أطراف ثالثة تأذت من الجرائم.
إلا أن الدفاع طعن بقوة في الأدلة الجديدة وفي إضافة طرف ثالث في القضية بشكل متأخر، وانسحب من المحاكمة احتجاجا على “الظلم الصارخ”، بحسب ما قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
استندت محكمة الاستئناف أيضا في حكمها إلى أقوال المتهمين للشرطة في العام 2010، والتي قالوا إنها انتُزعت منهم تحت التعذيب. أمرت المحكمة بإجراء فحوصات الطب الشرعي على من يريد الخضوع لها بعد سبع سنوات من اعتقالهم.
بعد أن خلص الأطباء الذين قاموا بالفحص إلى أنه مع مرور الوقت، لا يمكن إثبات وقوع التعذيب أو نفيه، أخذت المحكمة بالاعترافات كأدلة، إلى جانب الأدلة الجديدة المقدمة.
وجدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في 2016 في قضية رُفعت لديها بشأن أحد المتهمين، النعمة أسفاري، أن المغرب لم يحقق في مزاعم التعذيب، وأن المحكمة العسكرية اعتمدت على إفادة انُتزعت بالتعذيب.
قالت آمنة القلالي، نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “كان ينبغي للمحاكم أن تحقق فورا في مزاعم المتهمين بالتعرض للتعذيب، وليس بعد سبع سنوات. عدم فعل بذلك بسرعة، وتبني اعترافات مشكوك فيها، أمران يلطخان هذه الإجراءات”.
حُكم على اثنين من المتهمين بالمدة التي قضياها وأُفرج عنهما. حُكم على الـ 20 الباقين، بمن فيهم الشخص الذي تغيب عن المحكمة بعد فراره إلى إسبانيا، بالسجن مُددا طويلة تراوحت بين 20 عاما والمؤبد.
بعد أن أصدرت المحكمة المدنية حكمها، وُزِّع السجناء الـ 19 الذين كانوا محتجزين حتى ذلك الحين في نفس السجن بمدينة سلا على سجون مختلفة في أنحاء المغرب.
أضرب العديد منهم عن الطعام مرات عدة منذئذ بدعوى تعرضهم لانتهاكات، منها الحرمان من الرعاية الطبية والزيارات العائلية، والحبس الانفرادي التعسفي.
كما طالبوا جميعا بنقلهم إلى سجون قريبة من عائلاتهم في الصحراء الغربية. تبعد سجونهم الحالية بين 500 و1,200 كيلومتر عن العيون، المدينة التي ينحدر منها معظمهم وحيث تعيش عائلاتهم.
منعت السلطات زوجة أسفاري، كلود مانجان، وهي مواطنة فرنسية تعيش في فرنسا، من زيارته عدة مرات. في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أُخطِرت مانجان بوثيقة رسمية بأنها ممنوعة من دخول المغرب باعتبارها “تهديدا للنظام العام”.
كانت قد أقامت خلال زياراتها اتصالات مع نشطاء صحراويين يدعون إلى تقرير المصير، وكان دعمها السلمي لهم صريحا.
لا تراجع محكمة النقض وقائع القضية، بل تكتفي بمراجعة الإجراءات، وإساءة استخدام السلطة، وسوء تطبيق القانون. يمكن للمحكمة، التي من المتوقع أن يصدر حكمها في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، أن تُبطل الحكم الصادر، كما فعلت في 2016، وتأمر بإعادة المحاكمة.
وإلا سيُصبح قرار محكمة الاستئناف بسلا لعام 2017 نهائيا، ولن يبقى خيار سوى العفو الملكي للإفراج عن المتهمين قبل قضاء عقوباتهم.
يخضع معظم الصحراء الغربية، وهي إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي وفقا للأمم المتحدة، للسيطرة الفعلية للمغرب منذ أن أخذت المملكة الإقليم في 1975 من إسبانيا، التي كانت تستعمر الإقليم وتديره سابقا. يعتبر المغرب الصحراء الغربية أرضا مغربية ويرفض مطالب التصويت على تقرير للمصير التي تشمل الاستقلال كخيار.
كان هذا الخيار متضمنا في الاستفتاء الذي وافق عليه المغرب و”جبهة البوليساريو”، حركة تحرير الصحراء الغربية، في اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991 بوساطة الأمم المتحدة. لا يعترف المجتمع الدولي بضم هذا الإقليم من قبل المغرب بحكم الأمر الواقع.
تمنع السلطات المغربية منهجيا في الصحراء الغربية التجمعات الداعمة لحق الصحراويين في تقرير مصيرهم. تعرقل سلطات المغرب عمل بعض المنظمات غير الحكومية المحلية لحقوق الإنسان، بما يشمل مضايقة أعضائها وعرقلة إجراءات التسجيل القانوني، وفي بعض الأحيان تضرب النشطاء والصحفيين أثناء الاحتجاز وفي الشوارع.
اقرأ أيضاً: