تعامل أوروبا الرسمي مع الحرب في أوكرانيا يعرّي سياسة عنصرية متجذرة تجاه غير الأوروبيين
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الموقف الأوروبي الرسمي والإعلامي تجاه أزمة أوكرانيا وما تمخّض عنها من لاجئين عرّى سياسة أوروبية عنصرية متجذرة منذ سنوات.
وأضاف المرصد أن هذا أوروبا بموقفها تعمد إلى الإقصاء والصد والتمييز تجاه العرقيات غير الأوروبية.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي الأربعاء أنّه رصد على مدار الأيام الماضية أشكالًا عدة من العنصرية والتمييز على أساس العرق واللون والدين في تعامل سلطات الأمن في أوكرانيا وبولندا.
وأضاف المرصد أنه رصد تمييز سياسيين أوروبيين آخرين وصحافيين، مع أزمة اللاجئين الفارين جراء الحرب المستمرة التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط المنصرم.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ فريقّه توثّق من إفادات ومقاطع فيديو تظهر اتّباع حرس الحدود البولندي إجراءات تمييزية أعاق بموجبها عبور فارّين من جنسيات أفريقية إلى بولندا، في حين سمح للأوكرانيين بعبور الحدود دون أي عوائق، وقدّم لهم مساعدات غذائية وطبية أولية.
وقالت “ميكيلا بولييزي”، الباحثة في شؤون الهجرة واللجوء لدى المرصد الأورومتوسطي إنه “في الوقت الذي ترحّب فيه الدول الأوروبية باللاجئين الأوكرانيين وتوفّر لهم طرق عبور رسمية وآمنة، قضى أمس سبعة من طالبي اللجوء من عرقيات غير أوروبية، بعد غرق مركبهم في البحر المتوسط قبالة سواحل اليونان”.
وأضافت “بولييزي” أنّ “الدول الأوروبية طبّقت معياريين واضحين في تعاملها مع المدنيين من ضحايا النزاعات. إذ سارعت إلى الترحيب المشروع في استقبال ومساعدة المدنيين الأوكرانيين. لكنّها استمرت في ذات الوقت بسياستها القديمة في تجاهل معاناة الضحايا في مناطق نزاع أخرى، ممن ينحدرون من أعراق غير أوروبية ولا يحظون ببشرة بيضاء”.
وجمع المرصد الأورومتوسطي إفادات لطلاب ومقيمين من جنسيات عربية وأفريقية في أوكرانيا. قالوا إنّهم أُجبروا على الجلوس لساعات طويلة على الحدود البولندية دون أي مساعدة، ومُنع بعضهم من اجتياز الحدود دون أسباب، وخاصة بعضهم من ذوي البشرة السوداء الذين ظلوا عالقين في المنطقة الحدودية.
في حين قُدّمت تسهيلات كبيرة لذوي البشرة البيضاء من الأوكرانيين، وسمح لهم بالمرور دون تأشيرات، والتنقل بالقطارات دون تذاكر.
وأكّد ذلك طُلاب من الجنسية الهندية كانوا يقيمون في أوكرانيا، إذ قالوا إنّهم واجهوا صعوبات كبيرة لدى فرارهم من البلاد، حيث لم يُسمح لهم بصعود القطارات وجرى تأخير مرورهم، بينما سمح للأوكرانيين بالمرور أولاً.
وامتدت أشكال التمييز إلى المستويات السياسية الرسمية، إذ صرّح رئيس الوزراء البلغاري “كيريل بيتكوف” أنّ اللاجئين الأوكرانيين ليسوا من “اللاجئين الذين اعتدنا عليهم؛ لذلك سنرحب بهم، هؤلاء أوروبيون أذكياء ومتعلمون ولا يملكون ماضيًا غامضًا كأن يكونوا إرهابيين”.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن موقف الدول الأوروبية الكبرى اتسم بالمرونة والترحيب الكبير باللاجئين الأوكرانيين. وصدرت قرارات بتسهيل استقبالهم وإقامتهم.
على النقيض تمامًا من سياسة الطرد والصد التي اتبعتها تلك الدول لدى تعاملها مع طالبي اللجوء القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم أنّ المناطق التي فرّوا منها تشهد صراعات لا تقل عنفًا، بل تفوق في بعض المناطق ما يحدث في أوكرانيا.
وأبدى المرصد الأورومتوسطي أسفه العميق لانزلاق صحافيين ووسائل إعلام أوروبية لخطاب إعلامي اتسم بالتمييز العنصري، وركّز على أنّ اللاجئين الأوكرانيين حضاريين، بخلاف اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممن تعرضوا للوصم بالإرهاب وعدم التحضر.
ومن أبرز أمثلة الخطاب الإعلامي الغربي الذي حمل عبارات تمييزية، حديث “تشارلي داغاتا”، المراسل الأجنبي لمكتب لندن التابع لشبكة “CBS” الأمريكية.
إذ قال إنّ “أوكرانيا متحضرة مقارنة بدول مثل العراق وأفغانستان”. وأضاف أنّ “هذا ليس مكاناً- مع كل الاحترام الواجب- مثل العراق أو أفغانستان، حيث يدور صراع محتدم منذ عقود، هذه مدينة حضارية وأوروبية نسبياً- لا بد لي من اختيار هذه الكلمات بعناية أيضاً- مدينة لا تتوقع فيها ذلك”.
وبينما اعتذر المراسل لاحقًا بعد موجة انتقاد واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن تصريحاته تعكس آراء وانطباعات شريحة واسعة من الصحافيين الذين تحدثوا عن الأزمة بتعبيرات مشابهة.
وعلى نحو مشابه، عقد “بيتر دوبي”، مذيع في قناة “الجزيرة الإنجليزية” مقارنة تبدو تمييزية بين اللاجئين الأوكرانيين واللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إذ قال إنّ “الثياب التي يلبسها الأوكرانيون الفارون من الحرب تبيّن أنهم شعب مزدهر من طبقة وسطى ميسورة.. ليس من الواضح أنهم لاجئون يحاولون الهروب من مناطق في الشرق الأوسط ما تزال في حالة حرب كبيرة.. هؤلاء ليسوا أشخاصًا يحاولون الابتعاد عن مناطق في شمال أفريقيا، إنهم يبدون مثل أي عائلة أوروبية قد تعيش بجوارها”.
وقال الصحافي “فيليب كورب” على قناة “BFM” إحدى القنوات الأكثر مشاهدة في فرنسا: “نحن لا نتحدث هنا عن فرار السوريين من قصف النظام السوري المدعوم من بوتين، نحن نتحدث عن الأوروبيين الذين يغادرون في مركبات تشبه مركباتنا”.
وكذلك قالت مراسلة قناة “ITV” البريطانية في بولندا: “هذه ليست دولة نامية في العالم الثالث، هذه هي أوروبا”.
ولم تقتصر التصريحات التي تحمل إشارات عنصرية على الصحافيين، إذ استضافت شبكة “BBC” البريطانية نائب المدعي العام الأوكراني السابق “ديفيد ساكفاريليدزي”، والذي قال: “إنه أمر مؤثر بالنسبة لي لأنني أرى الأوروبيين ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر يُقتلون كل يوم بصواريخ بوتين وطائراته”.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّه في الوقت الذي يعبّر فيه عن تضامنه الكامل مع ضحايا الحرب المدنيين في أوكرانيا، وعلى رأسهم اللاجئين الفارين، فإنّه يدين بشدة الازدواجية المقيتة في التعامل الأمني والسياسي والإعلامي الأوروبي مع الأزمات الإنسانية الناجمة عن هذه الحرب.
وأكّد أنّ جميع هذه الممارسات تدخل ضمن أشكال التمييز العنصري وفق ما جاء في المادة الأولى من الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري.
وقد حدد القانون التمييز العنصري بأنه “أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة”.
ودعا المرصد الأورومتوسطي الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية إلى تعميم تعاملهم الإيجابي مع اللاجئين الأوكرانيين ليشمل اللاجئين من مختلف الأعراق والأديان والجنسيات.
ودعا المرصد أيضاً إلى الابتعاد عن ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية، على النحو الذي قد يشي بانحدار قيمي عميق وفكر تمييزي خطير، وتنكّر لتطبيق المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
وحث المرصد الأورومتوسطي المقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري، إلى متابعة والتحقيق في البلاغات والشهادات المتوالية عن ممارسات التمييز العنصري في التعامل مع الفارين من الحرب في أوكرانيا.
وطالب جميع الأطراف المتنازعة باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف خلال الحرب، وتجنب استهداف المدنيين والأعيان المدنية وتحييدهم عن جميع الأعمال الحربية.