ميثاق الهجرة في أوروبا المحصنة: ضربة لحقوق الإنسان والحماية الدولية

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن “ميثاق الهجرة واللجوء” الذي أقره الاتحاد الأوروبي مؤخرًا يمثل تصعيدًا للسياسات التي تفرض قيودًا أكثر صرامة وتصب باتجاه ترحيل طالبي اللجوء بشكل عاجل، مشيرًا أن الميثاق ينطوي على احتمال خطير لتقويض الحقوق الأساسية وتدابير الحماية.

وأكد المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي أن هذا النهج قصير النظر، إلى جانب السعي إلى إبرام اتفاقيات لاحتواء الهجرة مع بلدان ثالثة مقابل مساعدات مالية، لا يهدد بالفشل في معالجة الأسباب الجذرية للهجرة فحسب، بل ويؤدي أيضًا إلى تفاقم معاناة الفئات المستهدفة وعدم استقرارهم.

وقال الأورومتوسطي إنه بينما يمضي الاتحاد الأوروبي قدمً في تنفيذ هذا الإجراء المثير للجدل، يتعين عليه أن يواجه الحتمية الأخلاقية المتمثلة في حماية الفئات الضعيفة لطالبي اللجوء مع ضمان احترام حقوق الإنسان داخل حدود القارة الأوروبية وخارجها.

يقوم “ميثاق الهجرة واللجوء” الجديد على عشرة قوانين صيغت بعد مفاوضات استمرت لسنوات، ويتضمن تخصيص مراكز حدودية جديدة لاحتجاز المهاجرين أثناء فحص طلبات لجوئهم، وتسريع عمليات ترحيل من ترفض طلباتهم، مع إمكانية إرسال طالبي اللجوء إلى بلدان خارج الاتحاد الأوروبي تعتبر “آمنة” إذا كان لطالب اللجوء رابط ما مع هذه الدولة.

وعندما تم الكشف عن ميثاق الهجرة الخاص بالاتحاد الأوروبي لأول مرة منذ ما يقرب من أربع سنوات، في سبتمبر 2020، قوبل بمعارضة كبيرة من اليسار واليمين، حيث كان موضوع الهجرة عبر الطيف السياسي مصدرًا متكررًا للتوتر والقلق والمنافسة منذ أزمة الهجرة في الاتحاد الأوروبي 2015-2016.

ويحتوي الميثاق الجديد بشأن الهجرة واللجوء على عدة تشريعات وقواعد جماعية لإدارة الاستقبال، وإجراءات اللجوء، وإعادة توطين طالبي اللجوء الوافدين، بهدف معاملتهم بشكل موحد في جميع أنحاء أوروبا – ولكن ليس بشكل أكثر عدالة.

ويتألف اقتراح المفوضية الأوروبية من مئات الصفحات، ويشير إلى عدد كبير من القضايا المعقدة، مثل خصوصية البيانات، وعمليات النقل، والقدرة الكافية لمراكز الاستقبال، وحقوق القاصرين غير المصحوبين، والمساهمات المالية، ومدد الاحتجاز، والأمن القومي، و”البلد الآمن”. لكنه في نهاية المطاف يقدم الحل القديم ذاته: ضوابط أكثر صرامة، وإجراءات معقدة، وترحيلات أسرع.

ورغم أن التشريعات الأوروبية الجديدة تم إقرارها بهامش بسيط ــ في المتوسط ​​300 صوت مؤيد و270 صوتً معارضًا ــ فإن هذه النتيجة تسمح للأحزاب الرئيسة بالتباهي بالإصلاح في حملتها لانتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.

والمقترحات الخمسة الرئيسة الواردة في الميثاق الجديد والتي وافق عليها أعضاء البرلمان الأوروبي هي:

  1. تنص لائحة الفحص على إجراء مسبق للدخول لجمع معلومات مثل الجنسية والعمر وبصمات الأصابع وصور الوجه للجميع، بمن في ذلك الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم ستة أعوام (في السابق، كان أقل عمر مطلوب لتقديم هذه البيانات هو 14 عامًا). يمكن إجراء الفحص في أي مكان مناسب داخل الأراضي التي تحددها كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
  2. تعمل لائحة نظام البصمة يوروداك (Eurodac) المعدلة على تحديث قاعدة البيانات التي تخزن الأدلة البيومترية التي تم جمعها أثناء عملية الفحص لمنع نفس الشخص من تقديم طلبات متعددة.
  3. تحدد لائحة إجراءات اللجوء المعدلة إجراءً حدوديًا سريعًا، من المفترض أن يستمر لمدة أقصاها 12 أسبوعًا، وإجراءات العودة مباشرة بعد فحص المهاجرين الذين يُزعم أنهم يشكلون تهديدًا أمنيًا، أو يقدمون “معلومات مضللة” أو القادمين من البلدان ذات معدلات الاعتراف المنخفضة.

ولن يُسمح لهؤلاء الأشخاص بدخول أراضي البلاد على الرغم من وجودهم جسديًا، ولكن سيتم الاحتفاظ بهم في مرافق مغلقة على الحدود، مما يخلق ما يُعرف باسم “الخيال القانوني لعدم الدخول” ويزيد من خطر حرمانهم من الوصول إلى الحقوق والخدمات الأساسية.

وهناك إمكانية إخضاع حتى القاصرين غير المصحوبين لإجراءات الحدود “في حال أنهم يشكلون خطرًا أمنيًّا”، فيما ما تزال مفاهيم الدولة الآمنة للمهاجرين العائدين غامضة، ولكن على المدى الطويل، ينبغي أن يكون هناك تقارب نحو قائمة الاتحاد الأوروبي للمهاجرين العائدين.

  1. لائحة إدارة اللجوء والهجرة (AMMR) نظامًا “للتضامن الإلزامي” الذي سيوفر للدول الأعضاء ثلاثة خيارات للمساعدة في إدارة تدفقات الهجرة، وهي عمليات النقل، أو المساهمات المالية، أو الدعم التشغيلي.

وبما أن عمليات النقل لا تحظى بشعبية سياسية، فمن غير المرجح أن تؤدي الآلية الجديدة إلى توزيع أكثر عدالة وتقليل ضغط الهجرة لكل من المهاجرين وبلدان خط المواجهة.

ومن الأهمية بمكان أن الإصلاح لا يغير “مبدأ دبلن” الإشكالي الذي يلقي المسؤولية عن طلب اللجوء على عاتق البلد الأول الذي يصل إليه الشخص، وعادة ما يكون على خط المواجهة والدول الأعضاء في جنوب الاتحاد الأوروبي.

  1. تتوقع لائحة الأزمات قواعد استثنائية سيتم تفعيلها عندما يكون نظام اللجوء في الكتلة مهددًا على نطاق واسع بسبب الوصول المفاجئ والجماعي للاجئين أو بسبب حالة القوة القاهرة.

وفي هذه الظروف، سيُسمح للسلطات الوطنية بتطبيق تدابير أكثر صرامة، بما في ذلك فترات احتجاز أطول وتقليل ضمانات حقوق الإنسان. وستكون الدول الأعضاء قادرة أيضًا على إلغاء الاشتراك في الضمانات الأساسية إذا ادعت، ولو بشكل غامض، أن دولة ثالثة تدفع الناس إلى حدودها (ما يسمى “استغلال الهجرة”)، كما حدث في عام 2021 مع بيلاروسيا.

وفي الوقت الحالي ما زالت هذه القضية المتفجرة سياسيًا تحتاج إلى الضوء الأخضر النهائي من جانب الدول الأعضاء، كما أن بعض المعارضة مضمونة، حيث أعلنت بولندا والمجر وسلوفاكيا بالفعل اعتراضها على الميثاق الجديد. وبمجرد اعتمادها من قبل المجلس، ستستغرق القوانين عامين لتدخل حيز التنفيذ الكامل.

وقالت “ميكيلا بولييزي”، باحثة الهجرة واللجوء في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: “إن الميثاق الجديد سيحرم طالبي اللجوء من بعض البلدان من الحصول على تقييم عادل وكامل، مما يزيد من احتمالات انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم مراعاة نقاط الضعف الخفية، وانتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك الاعتقال الإداري والترحيل، حتى لو كان الأمر في النهاية يعتمد على البلد الأصلي للشخص سواء بقبول أو رفض طلب العودة.

وأضافت “ينظر الميثاق إلى الإطار الأوروبي الداخلي بشأن الهجرة – ما يحدث بمجرد وصول طالب اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي- في حين يتم تجاهل البعد الخارجي بالكامل، وحمايته من خلال إضفاء الطابع الخارجي على الحدود المصمم خصيصًا. ويُترك الأمر لاتفاقيات مخصصة، وغالبًا ما تكون ثنائية، مع دول ثالثة مثل تركيا وليبيا وتونس وألبانيا وموريتانيا ومصر، لمنع حدوث عمليات المغادرة في المقام الأول، بأي ثمن”.

وأضافت “بولييزي”: العنصر الأخير في أسلوب الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة واللجوء هو دائمًا المال مقابل الاحتواء؛ نراها داخليًا بما يسمى التضامن الإلزامي وخارجيًا في التعامل مع الدول الممر لطالبي اللجوء. ولم يثبت أن هذا عديم الفائدة لتقليل عمليات المغادرة أو التحركات الثانوية داخل الاتحاد الأوروبي وكارثي على حياة الناس فحسب، بل يشكل أيضًا تهديدًا بزعزعة استقرار البلدان الثالثة المعنية”.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن التشريع الأوروبي الجديد يأتي جنبًا إلى جنب مع الجهود المتزايدة لنقل المسؤولية عن حماية اللاجئين ومراقبة الحدود إلى بلدان ثالثة، كما يتضح من الاتفاقات الأخيرة مع تونس ومصر وموريتانيا، مما يهدد بمحاصرة الأشخاص المحتاجين جسدياً في دول حيث حقوقهم الإنسانية المعرضة للخطر في خطر أكبر.

وجدد التأكيد على أنّ أزمة الهجرة واللجوء لا تُعالج بنظام هجرة أوروبي يستبدل المسؤولية الواجبة بالمال، بل بوجود ميثاق منسق ومستدام يكون محوره الإنسان، كما وجود إطار عمل مشترك وفقًا لما جاء في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وكما جاء في المادة 78 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي، بما يخص الحق الأساسي للمهاجرين في طلب الحماية.

قد يعجبك ايضا