قرائن على وفاة غير طبيعية للباحث الاقتصادي المصري “أيمن هدهود” في السجون المصرية
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – تابعت المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه الملابسات المفجعة لوفاة الباحث الاقتصادي “أيمن هدهود“، الذي أُعلن وفاته في 9 إبريل/نيسان الجاري.
وكانت أسرة “هدهود” قد أعلنت أنها تلقت مكالمة من ضابط شرطة يبلغهم بالوفاة. وطلب حضورهم لاستلام الجثمان من مشرحة مستشفى العباسية للصحة النفسية.
وأدانت المنظمات ممارسات الجهات المتورطة في إخفاء تفاصيل سبب ومكان احتجاز الباحث “أيمن هدهود”. بما في ذلك جهاز الأمن الوطني ومستشفى العباسية للصحة النفسية والنيابة العامة. خاصة في ظل تصاعد المؤشرات على وجود شبهة جنائية وراء الوفاة.
فبينما خرج “هدهود” حيًا من منزله مقبوض عليه بتهمة سرقة مزعومة، استقبلت الأسرة جثمانه في 11 أبريل من مشرحة زينهم.
وبين الواقعتين توالت الأحداث والوقائع كما وثقناها من أقوال الأسرة وتحقيقات النيابة مع أشقائه ومصادر في مستشفى العباسية على النحو الذي نستعرضه أدناه.
فقدت أسرة “أيمن هدهود” الاتصال معه بعد أخر لقاء له مع شقيقه عمر في 5 فبراير 2022. وبينما كانت الأسرة تبحث السبل القانونية للإبلاغ عن اختفاء “أيمن”، حضر أحد أفراد شرطة قسم الأميرية للمنزل في 8 فبراير طالبًا حضور أشقاء أيمن للقسم.
توجه شقيقه “عادل” وأحد أصدقاء الأسرة للقسم الشرطة، وقابلهم ضابط بالأمن الوطني يدعى “ياسين مصطفى”، والذي وجه لهم عدة أسئلة عن شقيقهم “أيمن” وجهة عمله ومجال دراسته ونشاطه.
كما سأل عن أشقائه الآخرين وجهات عملهم، وأبلغهم في نهاية اللقاء أن “أيمن” محتجز من قبل جهاز الأمن الوطني. وقال لهم سنتصل بكم في حالة احتجنا أي معلومات أخرى.
كما تم إبلاغ الأسرة أن أيمن لم يكن لديه أي مقتنيات لحظة القبض عليه لتسلم للأسرة. وعليه، لم تتسلم الأسرة جهاز الكمبيوتر الشخصي أو الهاتف الجوال الخاصين بـ”أيمن”.
وبحسب مصادر مقربة من “أيمن هدهود”، أنه كان قبل القبض عليه مستاءً من التدخلات الأمنية في الحياة السياسية والتي أدت إلى إقصاء كوادر الأحزاب لصالح رجال الأعمال وذوي الثروات.
وقد يفسر هذا الموقف وهذه الملاحظات التي ربما كتبها في جهاز الكمبيوتر الشخصي أو على هاتفه، تلك النزعة الانتقامية والعدائية لدى ضباط الأمن الوطني الذين احتجزوه واستجوبوه خارج إطار القانون.
ونظرًا لحصول الأسرة على معلومة مباشرة من الأمن الوطني بشأن شقيقهم، والعضو بالهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية والمستشار الاقتصادي سابق لعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان “محمد أنور السادات”، فضلت الأسرة عدم تقديم بلاغ رسمي باختفائه.
ولكنها اعتمدت على وساطات وجهود غير رسمية سواء من جانب الحزب أو الأصدقاء، أملًا في إطلاق سراحه وعدم ضمه لقضايا ذات طابع سياسي.
وقد أبلغت أسرته الوسطاء أن “أيمن” يعاني من ضغوط نفسية في الفترة الأخيرة، تضاعف من مخاوف تعرضه للأذى رهن الاحتجاز.
وفي 17 فبراير، وردت للأسرة معلومة غير رسمية أن أيمن محتجز في مستشفى العباسية للصحة النفسية.
ولكن بحسب تحقيقات النيابة المعلنة لاحقا تم حجز أيمن في المستشفى في 14 فبراير 2022 بناء على أمر تحويل صادر عن النيابة في 7 فبراير، مما يعني أنه ظل في حوزة الأمن الوطني سبعة أيام قبل تحويله للمستشفى.
ولم تنجح الأسرة في زيارة أيمن في المستشفى، ولم يتمكن أحد من رؤيته والاطمئنان عليه.
فقط أبلغ مدير المستشفى أحد الأصدقاء في 23 فبراير أن “أيمن” بصحة جيدة، وأنه تحت الملاحظة بطلب من الجهات الأمنية، وعليه الحصول على تصريح من الأمن أو النيابة العامة لزيارته، ﻷن قسم الطب الشرعي لا يخضع لسلطة المستشفى.
وأشار أن “هدوهود” متهم في قضية جنائية بمحاولة سرقة سيارة في السنبلاوين.
وخلال هذه الفترة، توقف جهاز الأمن الوطني عن الإدلاء بأي معلومات حول مصير “أيمن هدهود”، ولم تصل الأسرة رغم بحثها المستمر في النيابة العامة إلى أي معلومات تشير إلى اتهام شقيقهم.
بينما وردت المعلومات من خلال الوسطاء أن الأمن الوطني أنتهى من فحص ملف “أيمن” وأن مشكلته مشكلة جنائية ليست في نطاق اهتمامهم.
واستمرت الأسرة في محاولات الحصول على معلومات من النيابة العامة أو زيارته في المستشفى، إلى أن بدأت المستشفى في مارس تنكر وجوده لديها من الأساس، بينما نتيجة البحث في النيابة العامة هي عدم وجود متهم مسجل باسم “أيمن محمد علي هدهود”.
وفي مطلع إبريل، تمكن أحد أصدقاء “أيمن” من معرفة خبر وفاته بالمستشفى منذ قرابة شهر، بينما لا معلومات حول مكان جثمانه. وبدأت الحملات على منصات التواصل تسأل عن مصير “أيمن هدهود” ومكانه.
وقدمت الأسرة شكوى بشأن احتجاز شقيقهم بمعرفة الأمن الوطني إلى رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب في7 إبريل.
وعلى ما يبدو أدت هذه التحركات إلى تغيير توجه جهاز الأمن الوطني بشأن إخفاء الجثة والتعتيم على القضية تمهيدًا لدفنها في مقابر الصدقة دون إخطار الأسرة، خاصة أن الأسرة أصرت على استلام تصريح الدفن من النيابة وتسلم الجثمان.
لكنهم فوجئوا في 10 إبريل بوجود تصريح مجهز مسبقًا بدفنه في مقابر الصدقة، مما استوجب العودة إلى النيابة لإلغاء هذا التصريح، واستجواب أشقائه عادل وأبو بكر حول ملابسات وفاته.
وأرادت المنظمات الموقعة أدناه أن تلفت النظر إلى النقاط والمفارقات التالية:
- كون أيمن هدهود يعاني أو لا يعاني من اضطرابات نفسية لا يبرر الانتهاكات التي تعرض لها والتي انتهت بوفاته. فحتى لو صح أنه كان يهذي وقت إلقاء القبض عليه، فهذا لا يبرر إخفاءه في مقر الأمن الوطني سواء في قسم الأميرية أو غيره في الفترة من 5 إلى 14 فبراير دون اتصال بأهله، رغم التعرف على هويته بدليل استدعاء أشقائه للاستجواب، ورغم صدور قرار من النيابة بتحويله لمستشفى العباسية يوم 7 فبراير. ما حدث في هذه الفترة يبقى غير معلوم لأي جهة سوى الجهة التي احتجزته دون مسوغ قانوني، ومن ثم يجب محاسبتها ولا يعفيها من المساءلة كون أيمن هدهود مهتز نفسيًا من عدمه، بل ربما يضاعف من مسئوليتها.
- التركيز على الحالة النفسية لأيمن هدهود كما لو كانت مبررًا لكل ما تعرض له بعد القبض عليه يثير القلق والغضب من اعتبار أجهزة الدولة أن الاضطراب النفسي أمرًا مشينًا يسمح بتجاهل حقوق المريض ويبرر أي انتهاكات بحقه، ضاربًا بعرض الحائط لوائح حقوق المريض النفسي. علمًا بأن اللجنة الثلاثية المنوط بها الكشف عليه لم تتمكن من ذلك (اثنان فقط من أعضائها ناظروا الفقيد) ولم تعلن المستشفى حتى الآن عن نتائج الفحص النفسي. فضلاً عن أن الاضطراب النفسي لا يؤدي للوفاة إلا إذا أدى إلى محاولة انتحار ناجحة أو كان نتيجة إصابة في الدماغ.
- إنكار مستشفى العباسية وجود أيمن هدهود لديها بعدما أقرت بذلك في وقت سابق، مطالبة بالحصول على إذن من النيابة لزيارته، بينما تنكر النيابة أنه متهم من الأصل، كلها مفارقات تعكس محاولة الجهتين إخفاء الحقيقة عما كان يحدث مع أيمن منذ القبض عليه وحتى الاتصال الذي أخبر شقيقه بوفاته.
- توفي أيمن هدهود في مستشفى العباسية بحسب تقرير المستشفى يوم 5 مارس. أي أن جثمانه ظل محتجزا في ثلاجة العباسية – وهي ثلاجة تبريد وليس تجميد – لما يزيد عن شهر، وتم استخراج تصريح بدفنه في مقابر الصدقة كما لو كان مجهول الهوية، رغم كونه معروفًا لديهم ومعروفة أسرته.
- الأمر الذي يثير الشبهات حول الرغبة في التعتيم عما حدث له منذ لحظة القبض عليه واحتجازه في مقر الأمن الوطني ثم في مستشفى العباسية. علمًا بأن احتجاز جثمان شخص معروف الهوية طوال هذه الفترة أمر غير معتاد في أي مستشفى إلا لو كانت هناك رغبة متعمدة في أن يصيب الجثمان التعفن والتحلل مما يجعل من الصعب على الطب الشرعي تحديد أسباب الوفاة.
- حتى صدور هذا البيان لم يصدر التقرير المبدئي للطب الشرعي رغم إعلان النيابة أن الوفاة كانت نتيجة لهبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب، وهما وصف لحالة الوفاة وليس سببا لها. ومن غير النتظر أن يأتي تقرير الطب الشرعي بعبارة النيابة نفسها، إذ يفترض أن يتضمن وصف للجثمان ظاهريًا ثم داخليًا، بناء على مجموعة فحوصات لتحديد سبب الوفاة. فإن لم تتوافر الإمكانيات أو الإرادة لدى مصلحة الطب الشرعي المصرية للوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة، فالأكرم لها وللمهنة أن تصرح بذلك ولا تردد عبارات مطاطة تثير الشكوك.
أيمن هدهود تعرض لانتهاكات جسيمة حيًا وميتًا، منذ اختطافه حتى إيداعه مستشفى للصحة النفسية بعد 12 يوم من الإخفاء القسري، وبعد 10 أيام من صدور قرار النيابة بتحويله.
وأخيرًا تُرك جثمانه ليتعفن لمدة شهر في مكان غير مخصص لذلك قبل عرضه على الطب الشرعي.
وما بين اختفائه ووفاته وقعت انتهاكات عديدة بحق باحث اقتصادي مصري مرموق وسياسي معروف، ولا بد من مساءلة ومحاسبة الأجهزة المتورطة في هذه الانتهاكات، بما في ذلك جهاز الأمن الوطني والنيابة العامة ومستشفى العباسية وإدارتها، ومصلحة الطب الشرعي.
وعلى المجلس القومي للصحة النفسية ونقابة الأطباء الاضطلاع بدورهم في الكشف عما حدث بحق “أيمن هدهود” من تجاوزات، حرصًا على حياة غيره من المواطنين أولاً وسمعة المهنة ثانيًا.
المنظمات الموقعة:
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز النديم
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- كوميتي فور جستس
- مسار مجتمع التقنية والقانون
- مبادرة الحرية