العفو الدولية: خريطة تفاعلية تكشف نطاق العنف الذي تجيزه الدولة ضد المتظاهرين حول العالم

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات حول العالم تلجأ بشكل متزايد إلى الاستخدام غير القانوني للقوة وسن التشريعات القمعية لسحق الاحتجاجات.

وذلك تزامنًا مع إطلاق المنظمة خريطة رقمية تفاعلية تكشف عن الارتفاع المروّع في القمع الذي تمارسه الدول ضد المحتجين حول العالم.

وتسلط الخريطة العالمية -وهي جزء من حملة منظمة العفو الدولية العالمية “لنحمِ التظاهر”- الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان العديدة التي ارتكبت ضد المحتجين حول العالم.

وتبيِّن كيف تتعامل الحكومات مع الاحتجاجات كتهديد وليس كحق، وكيف ينظر موظفو إنفاذ القانون إلى دورهم على أنه قمع المتظاهرين وإخضاعهم بدلًا من تسهيل ممارستهم لحقوقهم.

ونتيجة لذلك، يتعرض آلاف الأشخاص للتفريق والاعتقال والضرب وحتى القتل بشكل غير قانوني أثناء التظاهرات. كما أنهم يواجهون عواقب وخيمة بعد التظاهرات، لمجرد مشاركتهم فيها.

وقال باتريك ويلكن، الباحث المعني بالشؤون العسكرية والأمنية وشؤون حفظ الأمن في منظمة العفو الدولية: “إن التظاهر السلمي حق وليس امتيازًا. ومن واجب الدول احترامه وحمايته وتيسيره”.

وأضاف: “مع ذلك، يتعرض الحق في التظاهر للتهديد بشكل متزايد، حيث تستخدم السلطات القوة غير القانونية ضد الناس في أكثر من 85 دولة”.

من الاستخدام التعسفي للقوة، والاعتقال والاحتجاز التعسفيَّيْن، إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري، وعمليات القتل التي تقرها الدولة، تلقي هذه الخريطة التفاعلية الضوء على القمع الشديد الذي يعاني منه المحتجون حول العالم – وهو أمر مرعب.

لفترة طويلة جدًا، شنت السلطات حول العالم هجومًا لا هوادة فيه على أولئك الذين يمارسون حقهم في التظاهر سلميًا – وأزهقت الأرواح في هذا السياق.

ففي إيران، قتلت السلطات المئات بشكل غير قانوني واحتجزت تعسفيًا عشرات الآلاف من الأشخاص، بمن فيهم أطفال، لسحق موجات الاحتجاجات المتتالية في البلاد.

كما تعرض عدد لا يحصى من المحتجين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك العنف الجنسي، أثناء الاحتجاز، من ضمنهم من حُكم عليهم بالإعدام بعد محاكمات صورية فادحة الجور، وأُعدموا تعسفيًا في وقت لاحق.

وفي الصين، من المستحيل الاحتجاج سلميًا بدون التعرض للمضايقة والمحاكمة، ويقبع العديد من النشطاء خلف القضبان بسبب المجاهرة بآرائهم.

إن قائمة النشطاء – والبلدان – المعرضة للتهديد آخذة بالاتساع. هذا القمع يجب أن يتوقف الآن.

كما تكشف الخريطة الرقمية التفاعلية، وهي الأولى من نوعها، عن عدد الدول التي تسيء استخدام الأسلحة الأقل فتكًا مثل الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، ورذاذ الفلفل، والهراوات لمضايقة المتظاهرين، أو تخويفهم، أو معاقبتهم، أو تفريقهم، وتقييد حقهم في التجمع السلمي.

وأضاف باتريك ويلكن: “على الرغم من سوء استخدام الأسلحة الأقل فتكًا على نطاق واسع، ما من رقابة عالمية على إنتاج هذه الأسلحة والاتجار بها واستخدامها. إنه لأمر صادم”.

وتابع قائبلاً: “تسلط هذه الخريطة الضوء على ضرورة وضع معاهدة دولية لتنظيم تجارة معدات حفظ الأمن حتى لا تصل الأسلحة الأقل فتكًا إلى أيدي قوات الشرطة المسيئة”.

بالإضافة إلى تحديد البلدان التي يعاني فيها المتظاهرون من الانتهاكات ونوع التهديدات التي يواجهونها، تفصّل الخريطة أيضًا التشريعات القائمة بشأن الاحتجاجات، وإصدارات الأمم المتحدة ونصوص أحكام المحاكم الدولية ذات الصلة.

وتشرح الخريطة كيف يمكن للناس المبادرة بالتحرك. وتُحدَّث الخريطة بشكل لحظي، لذا فإنّها تعكس صورة مروّعة لواقع المتظاهرين اليومي حول العالم.

من المسلّم به على نطاق واسع أن الحق في التظاهر قد تقلص بشكل كبير خلال جائحة كوفيد-19، نظرًا إلى أن التجمعات في معظم البلدان كانت محظورة بشكل عام لأسباب تتعلق بالصحة العامة.

إلا أن بعض الدول استخدمت الجائحة كذريعة لزيادة تقييد التجمعات أو لفرض قيود غير متناسبة.

ووفقًا لمبادرة قياس حقوق الإنسان، كافح العديد من البلدان من أجل تحسين وضع حقوق الإنسان فيها، وهو ما يتّضح أيضًا في متتبع الحقوق السنوي الصادر عن المبادرة.

على سبيل المثال، تسجل أنغولا 3.4 درجات من أصل 10 في الحق في التجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها في متتبع الحقوق لعام 2023.

تكشف إليزابيث كامبوس، وهي ناشطة في حركة النساء في السياسة (Movement for Women in Politics) في أنغولا، عن واقع التظاهر في بلدها.

“عندما نشارك في الاحتجاجات، دائمًا ما نخوض تجربة الموت الوشيك. نغادر، لكننا غير واثقين من أننا سنعود إلى عائلاتنا. إنه بلد تشكل فيه الديمقراطية حبرًا على ورق ليس إلّا”.

يمكن أن تتحول الاحتجاجات إلى أعمال عنف شديد، لذلك فإنني أحتفل كل مرة أعود فيها إلى بناتي وأحفادي. إننا نعاني باستمرار من العنف المؤسسي في بلدي”.

استنادًا إلى ما رصدته منظمة العفو الدولية، كانت هناك مزاعم ذات مصداقية عن استخدام قوات الدول للقوة غير القانونية ضد المتظاهرين خلال عام 2022 في ما يقل عن 86 بلدًا من أصل 156 بلدًا شملها التقرير السنوي للمنظمة.

وفي 37 بلدًا، استخدمت قوات الأمن أسلحة فتاكة ضد المتظاهرين، على الرغم من أن الأسلحة النارية غير مناسبة للسيطرة على الحشود ويجب على الشرطة ألا تستخدمها أبدًا لتفريق التجمعات.

ففي الهند، على سبيل المثال، لجأت السلطات إلى استخدام البنادق، والغاز المسيل للدموع، والهراوات، وإغلاق الإنترنت، وحتى عمليات الإخلاء القسري ضد المحتجين على الحكومة.

وفي الصين، يخاطر أولئك الذين يتجرأون على الاحتجاج بفقدان حقَّيْهم في التعليم والسكن. وفي الآونة الأخيرة، في بيرو، أدى الاستخدام غير القانوني للقوة المميتة من قبل قوات الأمن إلى مقتل 49 شخصًا خلال الاحتجاجات.

وعلى الصعيد العالمي، تكشف الأبحاث التي أجرتها منظمة العفو الدولية أن المحتجين قد تعرضوا للاعتقال التعسفي في أكثر من 50٪ من البلدان التي شملها التقرير السنوي.

وقال باتريك ويلكن: “تُصوّر هذه الخريطة العالمية بوضوح النطاق الواسع للقمع والقيود التي يواجهها المحتجون حول العالم”.

وأضاف: “بحيث تقع سلسلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أثناء عمليات حفظ الأمن خلال الاحتجاجات حول العالم، وهو ما يشكل مصدر قلق عميق”.

“إن إدراج انتهاكات حقوق الإنسان على خريطة يسمح لنا بتصور النطاق العالمي للمسألة وتتبعها”.

“كما أنه يفضح الحكومات التي تتقاعس عن حماية الحق في التظاهر ويساعد على محاسبة سلطات إنفاذ القانون على الانتهاكات المروّعة التي ترتكبها وسط الجهود المبذولة لسحق المظاهرات”.

وختم باتريك ويلكن حديثه بالقول: “تدعو منظمة العفو الدولية الحكومات إلى إصلاح نهجها على وجه السرعة، ووضع حد لهذا العنف البغيض، وضمان حماية الاحتجاجات السلمية وتسهيلها”.

قد يعجبك ايضا