السعودية تغلب المصالح على القيم مع تجدد صادرات ألمانيا من الأسلحة

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – في أكتوبر/تشرين الأول 2018 قالت المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل بعد مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول: “لا يمكن تصدير الأسلحة في الظروف الحالية”.

وأوقفت الحكومة الألمانية بعد ذلك صادرات الأسلحة إلى السعودية، تنفيذًا لوعود سابقة بتعليقها بسبب الحرب في اليمن.

وتم تمديد الحظر مرارًا وتكرارًا، وعلى الرغم من تغير الحكومة في برلين في ديسمبر/كانون الأول 2021، ظل الموقف الرسمي لألمانيا كما هو لمدة خمس سنوات تقريبًا—حتى يوليو/أيار، عندما أعلن الائتلاف الحاكم برئاسة المستشار أولاف شولتس، وهو ديمقراطي اشتراكي، أنه تم تخفيف القيود على الأسلحة.

وذكرت حكومة شولتس أن سياسة ألمانيا الرسمية المتمثلة في عدم تصدير الأسلحة إلى السعودية طالما استمرت الحرب في اليمن ستشمل الآن استثناءً لـ “المنتجات التي ليس لها صلة تشغيلية بالصراع في اليمن”.

ومن ناحية أخرى، كان إعلان الحكومة الألمانية شحيحًا في تفاصيله، وهو ما قد يعكس حقيقة مفادها أنه كان عبارة عن تسوية داخلية بين الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم الهش في ألمانيا، والذي أصبحت وحدته الآن على المحك.

حزب الخضر، ثاني أكبر حزب في الائتلاف بعد الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة شولتس، كان صريحّا كالعادة ضد صادرات الأسلحة إلى البلدان المنخرطة في صراعات مسلحة.

ومع ذلك، يبدو أن هذا تطبيع لصادرات الأسلحة الألمانية إلى السعودية عشية الذكرى السنوية الخامسة لمقتل خاشقجي—مع ما يترتب على ذلك من آثار في جميع أنحاء أوروبا.

وكان تراجع حكومة شولتس مهمًا من الناحية الرمزية والمادية، لأنه جاء من أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السكان وأكبر اقتصاد.

وبعد فترة وجيزة من إعلان القرار الألماني، اتخذت هولندا نفس الخطوة، ورفعت القيود التي فرضتها على صادرات الأسلحة إلى السعودية، وكذلك إلى الإمارات العربية المتحدة وتركيا.

ومع ذلك، كان حظر تصدير الأسلحة الألمانية إلى السعودية دائمًا غير مكتمل. ولا ينطبق ذلك على شريك الرياض في التحالف في اليمن، الإمارات العربية المتحدة، التي كانت مسؤولة مع السعودية عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في اليمن وقصف المدارس والمستشفيات بشكل عشوائي.

كما أن ألمانيا وافقت على مبيعات أسلحة للسعودية بقيمة مليون دولار تقريبًا في النصف الأول من عام 2019، وهو خفض كبير، لكنه ليس توقفًا كاملًا.

وفي عام 2020، قدمت ألمانيا أيضًا مركبات مدرعة صالحة لجميع التضاريس إلى السعودية، وفي العام الماضي، وافقت على المزيد من مبيعات الأسلحة، متحدية الحظر المعلن مرة أخرى.

وعلى الرغم من أنه من الواضح أن الحظر لم يكن كاملًا، إلا أنه لا يزال يمثل مسافة معينة بين ألمانيا وأكبر مصدرين الأسلحة في أوروبا إلى السعودية: فرنسا والمملكة المتحدة.

وذهبت الحكومة الفرنسية إلى حد محاولة إسكات الصحفيين الذين يحققون في استخدام الأسلحة الفرنسية من قبل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

وأجبرت المحكمة العليا في المملكة المتحدة الحكومة البريطانية على وقف الصادرات إلى الرياض في عام 2019 مؤقتًا، بعد أن خلصت إلى أنها فشلت في إجراء تقييم صارم لمخاطر الانتهاكات السعودية للقانون الإنساني الدولي في اليمن.

ومع ذلك، في المراجعة الحكومية لسياسة صادرات الأسلحة في عام 2020، تم اعتبار انتهاكات القانون الإنساني الدولي في اليمن باستخدام الأسلحة البريطانية “حوادث معزولة”، واستؤنفت صادرات الأسلحة إلى السعودية بشكل كبير.

وعند تبرير قرار استئناف صادرات الأسلحة الألمانية إلى السعودية هذا الصيف، ذكر شولتس أن “الوضع في اليمن تغير كثيرًا” وأن “العديد من الدول المعنية انسحبت من الصراع”.

قدمت الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في اليمن بين السعودية والحوثيين المتمردين، والتي انهارت رسميًا بعد ستة أشهر في أكتوبر/تشرين الأول 2022 لكنها صمدت إلى حد كبير حتى الآن، أساسًا لدعم تغيير السياسة الألمانية.

وفي حين أن مستويات العنف الحالية في اليمن منخفضة نسبيًا، ومع انخراط السعودية والحوثيين في مفاوضات متعثرة، إلا أن اليمن لا يزال مدمرًا بسبب الحرب.

صحيح، كما ألمح شولتس، أن التحالف الذي تقوده السعودية والذي تدخل في اليمن عام 2015 ضد الحوثيين قد فقد تدريجيًا معظم الدول المنخرطة فيه، لكن هذا ليس جوهر القضية.

فالأهم من ذلك هو حقيقة أن كلًا من السعودية والإمارات لا تزالان منخرطتان بعمق في اليمن—على الرغم من المزاعم الإماراتية بالانسحاب في عام 2020.

ربما يكون انخفاض العنف في اليمن قد قدم مبررًا مفيدًا لألمانيا لتخفيف الحظر على الأسلحة، لكنه لا يفسر الأسباب الحقيقية لهذا التراجع.

إنّ عملية صنع القرار الخاصة بإصدار تراخيص تصدير الأسلحة للشركات الألمانية غامضة بشكل خطير. ويتم اتخاذ القرارات الرئيسية من قبل مجلس الأمن الفيدرالي، الذي يرأسه المستشار ويضم الوزراء الرئيسيين، مثل وزراء الخارجية والمالية والدفاع والشؤون الاقتصادية والطاقة.

وتكون الجلسات سرية، ولا يتم إبلاغ البوندستاغ (البرلمان الألماني) بقرارات المجلس إلا بعد حدوثها وبعبارات عامة للغاية.

وعلى الرغم من هذا التعتيم، فإن الأسباب التي دفعت ألمانيا إلى تخفيف القيود على الأسلحة ليس من الصعب فهمها.

أثّر حظر التصدير الألماني على الشركات الفرنسية والبريطانية التي تدير برامج إنتاج مشتركة مع مصنّعي الأسلحة الألمان، خاصة برنامج يوروفايتر الذي تشارك فيه دول أوروبية مختلفة لإنتاج الطائرات الحربية.

ومارست فرنسا والمملكة المتحدة ضغوطًا مستمرة على ألمانيا لتغيير موقفها، وهو ما اعتبرتاه عنصرًا من عناصر عدم القدرة على التنبؤ ما أدى إلى تعقيد جهودهما للاستفادة من صفقات الأسلحة مع السعودية.

ومع ذلك، سمحت الحكومة الألمانية بشكل دوري بإرسال المكونات التي لا غنى عنها إلى دول أوروبية أخرى يتم فيها تصنيع طائرات يوروفايتر.

ومن الآن، من المعقول أن نتوقع أن تكون الحكومة الألمانية أكثر مرونة عندما يتعين عليها أن تقرر ما إذا كان من المسموح استخدام المكونات الألمانية في إنتاج الأسلحة في بلدان أوروبية أخرى.

وفي هذا السياق، فإن وعد شولتس بأن ألمانيا لن تقوم بتسليم طائرات يوروفايتر إلى السعودية يبدو أنه لن يعدو عن كونه مجرد تصريحات إعلامية.

لكن من المرجح أن العامل الأكبر وراء قرار برلين هو حاجتها الملحوظة إلى أن تكون على علاقة جيدة مع السعودية—أكبر مصدر للنفط في العالم—بسبب الحرب في أوكرانيا، بالنظر إلى مدى اعتماد ألمانيا على الغاز الطبيعي الروسي، وبدرجة أقل، النفط الروسي.

وفي إطار جهوده لتنويع موردي الطاقة، بدأ شولتس رحلة إلى الخليج قبل عام، عندما التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأعلن أنه يريد “تعميق شراكة الطاقة” بين المملكة وألمانيا.

هل كانت مجرد صدفة أن حكومة شولتز وافقت على صادرات أسلحة بقيمة 35.2 مليون دولار إلى السعودية قبل تلك الرحلة مباشرة؟

كما ضغطت صناعة الدفاع الألمانية على الحكومة لتخفيف قيود التصدير.

حتى أن شركة راينميتال، وهي شركة ألمانية رائدة في تصنيع الأسلحة، والتي تحايلت بالفعل على حظر الأسلحة المفروض على السعودية باستخدام شركات فرعية، قد رفعت دعوى قضائية ضد الحكومة الألمانية، بحجة أنها تكبدت خسائر اقتصادية نتيجة للقيود.

ومع ذلك، فإن من المرجح أن يرتبط الأساس المنطقي الاقتصادي لاستئناف صادرات الأسلحة إلى السعودية باحتياجات ألمانيا من الطاقة أكثر من ارتباطه بصناعة الأسلحة الألمانية، أو حتى استرضاء فرنسا وبريطانيا.

تعتبر صادرات الأسلحة الألمانية إلى السعودية أقل أولوية بالنسبة للرياض من الأسلحة الفرنسية والبريطانية—وبالتأكيد الأمريكية.

ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بالكاد وصلت السعودية إلى المراكز الخمسة عشر الأولى من وجهات التصدير الرئيسية للأسلحة الألمانية من عام 2005 إلى عام 2015.

وحتى من عام 2015 إلى عام 2018، عندما زادت وارداتها من الأسلحة بعد التدخل في اليمن، كانت السعودية تاسع أكبر مشتر للأسلحة الألمانية.

ومنذ عام 2005، كانت صادرات الأسلحة الفرنسية والبريطانية إلى السعودية مجتمعة أكثر من عشرة أضعاف حجم صادرات ألمانيا، التي صدّرت أسلحة إلى السعودية بشكل أقل من إسبانيا أو كندا.

وفي يونيو/حزيران، تبنت الحكومة الألمانية أول استراتيجية للأمن القومي على الإطلاق، بعد عام من الخطاب المهم الذي ألقاه شولتس أمام البوندستاغ في الأيام التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي قال إنه يمثل نقطة تحول تاريخية بالنسبة لألمانيا.

وأعلن أن “هذا يعني أن العالم بعد ذلك لن يكون نفس العالم السابق”، وسيتعين على ألمانيا التكيف، مع زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير ودور عسكري أكثر طموحًا إلى حد كبير في أوروبا، وهو ما اعتُبر خروج عن العديد من المحظورات في السياسة الخارجية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.

وتنص استراتيجية الأمن القومي الجديدة على أن السياسة الخارجية والأمنية التي تنتهجها ألمانيا “ترتكز على القيم وتحركها المصالح”. وعندما يتعلق الأمر بصادرات الأسلحة إلى السعودية، فمن الواضح لمن السيادة بين هذين الأساسين.

قد يعجبك ايضا