هيومن رايتس ووتش: اعتقالات سرية في تونس بذريعة حالة الطوارئ
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – صرحت “هيومن رايتس ووتش” بأن السلطات التونسية تستخدم ما تسميه “الإقامة الجبرية” لإخفاء الاعتقالات السرية بذريعة حالة الطوارئ.
وأضافت المنظمة أن قضايا المسؤول السابق بوزارة الداخلية “فتحي البلدي” وآخرين تُظهر تصعيدا خطيرا في فرض الإجراءات الاستثنائية.
كانت الإقامات الجبرية شائعة أصلا في عهد الرئيس السابق “الباجي قائد السبسي”. لكن ازدادت الانتهاكات في ظل هذا الإجراء الاستثنائي الخارج عن نطاق القضاء منذ أن منح الرئيس “قيس سعيّد” نفسه الحكم.
قالت “سلسبيل شلالي”، مديرة هيومن رايتس ووتش في تونس: “عدم كشف مكان احتجاز شخص هو أمر مقلقة. وهو خدوة باتجاه دولة ينعدم فيها القانون”.
وأضافت: “هذا الفعل لا يمكن تبريره مطلقا بحالة الطوارئ التي مُددت بشكل متكرر منذ 2015. على السلطات إنهاء هذه الاعتقالات التعسفية فورا واستخدام السبيل القانوني والشفاف بالكامل للسماح بالطعن القضائي”.
اعتقل عناصر شرطة بملابس مدنية “البلدي” ووزير العدل السابق “نور الدين البحيري” في 31 ديسمبر/كانون الثاني 2021 قرب منزليهما. وقد تم اعتقالهما في ظروف متشابهة، حيث أُجبروهما على ركوب سيارة الشرطة.
ثم اقتيدا إلى وجهتين مجهولتين بدون مذكرة توقيف. في حين يمكث “البحيري” حاليا في المستشفى جراء تدهور صحته، فإن “البلدي” محتجز في مكان سري منذ أكثر من شهر.
قال وزير الداخلية في بيان نُشر يوم اعتقالهما إن شخصين – لم يُكشف عن اسميهما – وُضعا رهن الإقامة الجبرية. وقال أن هذا الاجراء هو وفقا لـ “إجراء ذو صبغة تحفظيّة أملته الضّرورة في إطار حماية الأمن العامّ”. وستشهد بالفصل 5 من المرسوم (الطوارئ) 78-50 المؤرخ في 26 يناير/كانون الثاني 1978.
ثم، في 3 يناير/كانون الثاني، صرّح وزير الداخلية “توفيق شرف الدين” أن قضية البحيري والبلدي، تتعلق بـ “شبهة إرهاب”. وأضاف أنها قضية مرتبطة بجوازات ووثائق سفر يُفترض أنها صدرت بشكل غير قانوني في 2013.
قالت هيومن رايتس ووتش أن عائلتاهما أخبروها بعدم تلقيهم إخطار كتابي بإقامتهما الجبرية بعد مرور أكثر من شهر على اعتقالهما. هذا بالإضافة لعدم صدور أي مذكرة توقيف ولم تعلن السلطات عن أي تهمة رسمية ضدهما، متجاوزة الإجراءات القانونية المعتادة.
قالت المحامية “لطيفة الحباشي” لـ هيومن رايتس ووتش إن “البلدي” (55 عاما) محتجز في معتمدية برج العامري غرب تونس العاصمة.
لكن لم يُكشف عن المكان المحدد ولم يتمكن محاموه حتى الآن من مقابلته، رغم طلباتهم المتكررة. يمكن لعائلته فقط زيارته في مركز لـ “الحرس الوطني” في برج العامري.
قالت هيومن رايتس ووتش أن “هشام البلدي” شقيق “البلدي” قال لها: “نزوره عادةً مرة في الأسبوع. وفي كل مرة ننتظر تلقي موافقة مسبقة هاتفيا لكي يُنظم نقله من الموقع الإداري المحتجز فيه إلى مركز الحرس الوطني في برج العامري”.
وأضاف: “دائما ما يشرف مسؤول أمني على الزيارات العائلية، ولا يمكننا التحدث حقا عن مكان احتجازه”.
شغل “البحيري” (63 عاما) منصب وزير العدل بين 2011 و2013 وكان عضوا في البرلمان الذي علّقه الرئيس “سعيّد”. وشغل أيضاً منصب نائبا لرئيس “حركة النهضة”، أكبر حزب سياسي في البرلمان.
احتُجز بدايةً في مكان سري بعد اعتقاله في 31 ديسمبر/كانون الأول. ثم نُقل إلى قسم الإنعاش بمستشفى الحبيب بوقطفة في مدينة بنزرت. فقد كان قد رفض تناول الطعام والأدوية، حسبما علمت أسرته في 2 يناير/كانون الثاني.
قبل نقله، احتُجز “البحيري” في منزل “مهجور” و”شبه فارغ” في منطقة بنزرت، بحسبما قالت زوجته “سعيدة العكرمي” لـ هيومن رايتس ووتش نقلا عنه.
يمكن لزوجته وأطفاله زيارته في المستشفى، حيث يخضع لمراقبة الشرطة، لكن لم تتم الموافقة على أي من الطلبات التي قدمها فريقه القانوني. قالت زوجته إنه ما يزال يرفض تناول الطعام ويتغذى عبر الوريد.
تمكن ممثلو “الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب” و”مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” في تونس من تنظيم زيارات مشتركة في يناير/كانون الثاني للبحيري أولا، ثم البلدي.
بعد رفض المسؤولين مقابلة البلدي في مركز للحرس الوطني في برج العامري، تم اصطحابهم إلى مكان احتجازه لكن لم يُسمح لهم بالكشف عنه.
استنكر مسؤولو الهيئة الوطنية “ممارسات التعتيم والتعطيل” التي واجهتها في أداء عملها، بما في ذلك في هذين الاعتقالين، اللذين تعتبرهما الهيئة تعسفيَّين.
هذه الهيئة العامة والمستقلة، التي أُنشئت بموجب القانون رقم 2013-43 المؤرخ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2013، دخلت قيد العمل منذ عام 2016.
أعلنت وزارة الداخلية في بيان صادر في 13 يناير/كانون الثاني وضع شخصين آخرين رهن الإقامة الجبرية، أيضا بدون ذكر اسميهما، للاشتباه في “تهديد خطير للأمن العام”.
احتُجزا بموجب مرسوم الطوارئ عشية الذكرى الـ11 للثورة التونسية، في 13 يناير/كانون الثاني، حين كانت السلطات قد حظرت جميع التجمعات العامة لأسباب صحية. ثم أعلن وزير الداخلية، في 17 يناير/كانون الثاني، رفع إقامتهما الجبرية، مشيرا إلى إحالة قضيتهما إلى النيابة العامة.
قالت الحباشي، وهي أيضا إحدى محامي الرجلين، بلحسن النقاش ولطفي زديرة، إن قاضي التحقيق في الوحدة القانونية لمكافحة الإرهاب استجوبهما في 18 يناير/كانون الثاني ثم أطلق سراحهما في اليوم نفسه. قالت وزارة الداخلية إن أحد الرجلين يخضع أصلا للتحقيق في “ملفّ ذي صبغة إرهابيّة”.
لكن توقيفهما على يد عناصر شرطة بملابس مدنية واحتجازهما في مكان سري لأيام قبل عرضهما أمام المحكمة تجاوزا للإجراءات القانونية.
قالت “الحباشي” إن الرجلين، اللذين ذكرت وسائل إعلام ومواقع التواصل أنهما عضوان في مجموعة “حراك 14-17” المعارضة للرئيس سعيّد. وأضافت المواقع أنهما اعتقلا في “مكان إداري” في منطقة باجة بشمال غرب تونس.
منذ أن منح الرئيس نفسه سلطات استثنائية، صعّدت السلطات التونسية إجراءاتها القمعية ضد العديد من معارضيه ومنتقديه. إذ فرضت تعسفا الإقامة الجبرية على العشرات في منازل أو في مناطق محددة مسبقا. لكن في هذه الحالات، تحولت الإقامة الجبرية إلى اعتقال إداري في أماكن غير محددة.
قالت شلالي: “الإجراءات الاستثنائية التي يتيحها مرسوم الطوارئ يُساء استخدامها ولا رقابة قضائية عليها”. وأضافت أن: “هذا يجعل شبح الاعتقالات السرية يلوح في الأفق. تقوّض هذه الانتهاكات سلطة النظام القضائي وتمعن في تفتيت مبادئ سيادة القانون”.